فصل: السنة الثامنة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان **


 بسم الله الرحمن الرحيم

قال العبد الفقير إلى لطف الله الكريم سيدنا الشيخ الإمام العالم العلامة علم العلماء وقدوة العرفاء أبو محمد عبدالله بن أسعد بن علي نزيل الحرمين الشريفين اليمني المعروف باليافعي‏:‏ اما بعد حمدا لله المتوحد بالإلهية والكمال والعظمة والسلطان مميت الأحياء ومحيي الأموات المعروف بالرحمة والإحسان موجد الوجود ومفيض الفضل والجود في سائر الأكوان الأزلي الأبدي الحي الباقي وكل من عليها فان‏.‏

وصلواته وسلامه على رسوله الحبيب الكريم المنتخب من نسل عدنان النازل في ذروة علياء المفاخر المجلي عند استباق الأصفياء النجباء يوم الرهان وعلى آله وأصحابه الغر الكرام المعز بهم دين الإسلام السامي على سائر الأديان‏.‏

فهذا كتاب لخصته واختصرته مما ذكره أهل التواريخ والسير أولو الحفظ والاتقان في التعريف بوفيات بعض المشهورين المذكورين الأعيان وغزوات النبي صلى الله عليه وآله وسلم وشيء من شمائله ومعجزاته ومناقب أصحابه وأموره وأمور الخلفاء والملوك وحدوثها في أي الأزمان على وجه التقريب لمعرفة المهم من ذلك دون الاستيعاب واستقصاء ذكر الأوصاف والأنساب لأستغني به في معرفة ما تضمنه عن الحاجة إلى استعارة التواريخ للمطالعة في بعض الأحيان معتمداً في الشمائل والمناقب على ما أفصح به كتاب الشمائل للترمذي وجامعه فنى من صروف الدهرحزم مجانب تعاطى أمور معطيات لمتعاطي قنوع بما فيه الخبير أقامه وقدره راضي القضا غير مسخاط أجر رب من كل البلايا وفتنة بدنيا بها كم ذي افتنان وكم خاطي وكم غارق في بدرها جاء شطه فكيف بمن للبدر قد جاوز الشاطي وسميته مرآة الجنان وعبرة اليقطان في معرفة حوادث الزمان وتقليب أحوال الإنسان وتاريخ موت بعض المشهورين من الأعيان مرتباً على سني الهجرة النبوية والله الموفق المستعان والحمد لله رب العالمين على كل حال‏.‏

 

السنة الأولى من الهجرة

هاجر صلى الله عليه وآله وسلم من مكة المعظمة إلى المدينة المكرمة بالتأييد والتوفيق في صحبة الصديق السابق بالتصديق ومعهما عامر بن فهيرة ورجل آخر من أهل الحيرة بالطريق فدخلها صلى الله عليه وآله وسلم ضحى يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأول فبنى صلى الله عليه وآله وسلم مسجده ومساكنه وآخى بين المهاجرين والأنصار رضي الله تعالى عنهم وأسلم عبدالله بن سلام وتوفي نقيبان أسعد بن‏.‏

 

السنة الثانية

فيها حولت القبلة إلى الكعبة قال محمد بن حبيب الهاشمي‏:‏ حولت في ظهر يوم الثلاثاء نصف شعبان وكان صلى الله عليه وآله وسلم في أصحابه فجاءت صلاة الظهر في منازل بني سلمة فصلى بهم ركعتين من الظهر في مسجد القبلتين إلى القدس ثم أمر في الصلاة باستقبال الكعبة وهو راكع في الركعة الثانية فاستدار واستدارت الصفوف خلفه صلى الله عليه وآله وسلم فأتم الصلاة فسمي مسجد القبلتين‏.‏

وفي شعبان أيضاً فرض صوم رمضان وفي رمضان كانت وقعة بدر يوم الجمعة في السابع عشر منه فاستشهد من المسلمين أربعة عشر رجلاً منهم ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أبو عبيدة بن الحارث بن عبد المطلب قلت‏:‏ هكذا ذكروا في التواريخ ولم يبينوا من هم وقد بينهم علماء السير فقالوا‏:‏ كان من قريش ستة أولهم أبو عبيدة بن الحارث ابن عم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعمير بن أبي وقاص الزهري وذو الشمالين بن عبد عمرو وعاقل بن البكير ومهجع مولى عمر بن الخطاب وصفوان ابن بيضاء ومن الأنصار ثمانية خمسة من الأوس سعد بن خيثمة ومبشر بن عبد المنذر من بني عمرو بن عوف وزيد بن الحارث من بني سلمة ورافع بن المعلى من بني خثيم وثلاثة من الخزرج من بني النجار حارثة بن سراقة وعوف ومعوذ ابنا عفراء رضي الله عنهم‏.‏

وقتل من الكفار سبعرن وأسر سبعون ومن المقتولين رأس الكفرة أبوجهل المخزومي وعتبة بن ربيعة العبشمي فهما المقدمان في الجيش والكبيران في قريش‏.‏

وفيها توفيت رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زوجة عثمان رضي الله تعالى عنهما وفي شوال منها دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعائشة وفيها بنى علي بفاطمة رضي الله عنهما‏.‏

وفيها توفي عثمان بن مظعون رضي الله عنه بالمدينة وهو أول من مات من المهاجرين في زمن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالمدينة بعد رجوعه من بدر ولما دفن قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ نعم السلف هو لنا عثمان بن مظغون ‏"‏‏.‏

وأعلم صلى الله عليه وآله وسلم قبره بحجر وكان يزوره وكان عابداً مجتهداً من فضلاء الصحابة وكان ممن حرم الخمر على نفسه في الجاهلية وقال‏:‏ لا أشرب شراباً يذهب عقلي ويضحك بي من هو أدنى مني على أن أنكح كريمتي فلما حرمت الخمر وأعلم بتحريدها قال‏:‏ تباً لها قد كان بصري منها ثاقباً ورأته امرأته فقالت‏:‏ ياعين جودي بدمع غير ممنوع على رزية عثمان بن مظعون على أمرء بان في رضوان خالقه طوبى له من فقيد الشخص مدفون مع أبيات أخرى ومن فضائله أنه لما مات قبله النبى صلى الله عليه وآله وسلم وأعلم على قبره ودفن بجنبه ولده ابناهيم رضي الله تعالى عنه وأنه لما سمع لبيداً ينشد شعراً‏:‏ ألا كل شيء ما خلا الله باطل قال‏:‏ صدقت فلما قال‏:‏ وكل نعيم لا محالة زائل قال‏:‏ كذبت نعيم الجنة لا يزول فقال لبيد‏:‏ يا معشر قريش أكذب في مجلسكم فلطم بعض الحاضرين عثمان بن مظعون على وجهه حتى اخضرت إحدى عينيه وذلك في أول الإسلام فقال له عتبة بن ربيعة‏:‏ لو بقيت في منزلي ما أصابك هذا وقد كان في نزله ثم رده عليه وقال له عثمان‏:‏ ان عيني الأخرى لفقيرة إلى ما أصاب أختها في سبيل الله وفيها ولد عبدالله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما‏.‏

 

السنة الثالثة

في رمضان منها ولد الحسن رضوان الله عليه قلت‏:‏ ولم أرهم ذكروا تاريخ ولادة أخيه الحسين رضي الله تعالى عنه والذي يقتضيه ما ذكروا من تاريخ مدة عمرهما وزمان وفاتهما أن تكون ولادة الحسين في السنة الخامسة والله تعالى أعلم ثم وقفت على كلام للأمام القطبي المالكي يذكر فيه أنه ولد في شهر شعبان في

 

السنة الرابعة

فعلى هذا ولد الحسين قبل تمام السنة من ولادة الحسن ومثل هذا غريب في العادة‏.‏

نادر الوقوع‏.‏

ويؤيد هذا ما وقفت عليه بعد ذلك من نقل الواحدي أن فاطمة رضي الله تعالى عنها علقت بالحسين بعد مولد الحسن بخمسين ليلة والله أعلم‏.‏

وفي الثالثة أيضا دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بحفصة رضي الله تعالى عنها‏.‏

وفي رمضان أيضاً دخل بزينب بنت جحش وبزينب بنت خزيمة العامرية أم المساكين وعاشت عنده نحواً من ثلاثة أشهر‏.‏

ثم توفيت‏.‏

وفيها تزوج عثمان رضي الله عنه بأم كلثوم بنت النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏

وفيها تحريم الخمر ووقعة أحد يوم السبت السابع من شوال وصحح بعضهم أنها في الحادي عشر منه فاستشهد فيها عم النبي صلى الله عليه وآله وسلم الأسد المتغلب أبو يعلى حمزة بن عبد المطلب رضي الله تعالى عنه ومناقبه مشهورة وسيرته مشكورة‏.‏

وشجاعته معروفة‏.‏

ونجابته موصوفة وقد ورد أنه لما بلغه أن أبا جهل آذى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكة قصده حمزة فشجه بقوس كانت في يده‏.‏

جاء بها من الصيد ومشاهده معروفة منها يوم بدر ويوم أحد قتل فيها جماعة وبلي فيها بلاء حسناً وكان ممن قتل يوم بدرعتبة بن ربيعة وقيل‏:‏ بل أخوه شيبة مبارزة وما ندبه صلى الله عليه وآله وسلم إلى البراز يوم بدر للعدى إلا لما علم فيه من النجدة ومكافحة الأقران أولى الاعتداء وكان يقال له‏:‏ أسد الله وأسد رسوله أسلم في السنة الثالثة وقيل في السنة السادسة من مبعثه صلى الله عليه وآله وسلم ولم يسلم من إخوته سوى العباس وكانوا تسعة وقيل عشرة وقيل اثنا عشر وهم حمزة والعباس وأبو طالب واسمه عبد مناف والحارث وهو أكبرهم سناً والزبير وعبد الكعبة والمقوم والمغيرة وضرار وأبو لهب واسمه عبد العزى والغيداق وعبدالله والد رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

ولما وقف صلى الله عليه وسلم عليه مقتولاً ممثلاً به يوم أحد حلف ليقتلن به سبعين من قريش فأنزل الله عز وجل ‏"‏ وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ‏"‏ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ بل نصبر ‏"‏ وكفرعن يمينه ورثاه كعب ابن مالك وقيل عبدالله بن رواحة فقال‏:‏ بكت عيني وحق لنا بكاها وما يغني البكاء ولا العويل على أسد ألا له غداة قالوا لحمزة ذاكم الرجل القتيل أصيب المسلمون به جميعاً هناك وقد أصيب به الرسول أبا يعلى بك الأركان هدت فأنت الماجد البر الوصول عليك سلام ربك في جنان يخالطها نعيم ل ايزول وفيها قتل الذي لبس في الله إهاب كبش بعدما كان من الذين يلبسون ويتنعمون فقال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ دعاه حب الله ورسوله إلى ما ترون ‏"‏ مصعب بن عمير العبدري قتل مع تتمة سبعين رجلاً من المسلمين رضوان الله تعالى عليهم أجمعين‏.‏

وفي الحديث هاجرنا فوجب أجرنا على الله فمنا من مضى لسبيله ولم يأكل من أجره شيئاً منهم مصعب بن غمير قتل يوم أحد وليس له إلا نمرة إن غطينا بها رأسه بدت رجلاه وإن غطينا بها رجليه بدا رأسه فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ‏"‏ غطوا بها رأسه واجعلوا على رجليه من الأذخر ‏"‏ ومنا من أينعت له ثمرة فهو يهديها وكان أبواه يحبانه ويغذيانه بأطعم الطعام والشراب ويلبس أحسن ملابس الثياب وكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ ما رأيت رجلاً أحسن ملة ولا أرق حلة ولا أنعم نعمة من مصعب بن عمير ‏"‏ وكان إسلامه في دار الأرقم ولما قدم من بعض الأسفار بدأ بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل أمه فغضبت فقالت قدم على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحداً أو كانت في يده راية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم بدر ويوم أحد فلما قتل أخذها ليث بني غالب علي بن أبي طالب‏.‏

وغزوة بدر الصغرى في هلال في القعدة وفيها غزوة بني النضير عند بعضهما وذكر بعض المحققين أنها في الرابعة‏.‏

فيها غزوة بن معونة في صفر قال أنس‏:‏ كانوا سبعين فقتلوا يومئذ وقال غيره‏:‏ وكانوا أربعين وكان يقال لهم‏:‏ القراء فاستشهدوا كلهم ونزل فيهم قرآن‏.‏

وغزوة بني النضير في الربيع الأولى فنزلوا صلحاً وارتحلوا إلى خيبر‏.‏

وغزوة ذات الرقاع في أول المحرم‏.‏

وغزوة الخندق عند بعضهم وكان مدة إقامة الأحزاب فيها خمسة عشر يوماً ثم هزمهم الله تعالى وكذلك نزول التيمم وزواج أم سلمة‏.‏

 

السنة الخامسة

ذكر بعضهم فيها صلاة الخوف وغزوة دومة الجندل وغزوات ذات الرقاع عند نعضهم خلإذا لما تقدم وغزوة الخندق عند بعضهم في شوال ثم غزوة بني قريظة وممن ذكر هذا الذهبي قلت‏:‏ والعجب من الشيخ محيي الدين النواوي رحمه الله كيف صحح كون غزوة الخندق في الرابعة وغزوة بني قريظة في الخامسة ذكر ذلك في الروضة مع أنها وقعت عقبها وظاهرهذا النقل التناقض‏.‏

اللهم إلا أن يكون غزوة الخندق في آخرالرابعة عنده وغزوة بني قريظة في أول الخامسة‏.‏

اعني دامت إلى أول الخامسة فيصح ذلك لكني أراه بعيداً لوجهين‏:‏ أحدهما ما تقدم من كون غزوة الخندق في شوال وهذا النقل وإن احتمل خلفه فالوجه الثاني لايحتمل خلافه وهو ما قد علم من نصوص الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم توجه إلى بني قريظة في اليوم الذي انصرف فيه الأحزاب من غزوة الخندق بعدما أخبره جبرائيل عليه السلام بأن الله تعالى يأمره بالتوجه إلى بني قريظة والغزوة إذا أطلقت حملت على ابتدائها دون دوامها وغزوة الخندق هي غزوة الأحزاب ولم يكن فيها سوى الرمي بالنبل والمصابنة أكثر من عشرين يوماً وقيل‏:‏ خمسة عشر يوماً وخرج فيها للمبارزة عمرو بن عبد ود فبارزه علي رضي الله تعالى عنه فقتله‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي سعد بن معاذ سيد الأوس الذي اهتز عرش الرحمن بموته وقال صلى الله عليه وآله وسلم فيه‏:‏ ‏"‏ قوموا إلى سيدكم ‏"‏‏.‏

وقال‏:‏ ‏"‏ لقد حكم بحكم الله ‏"‏ الحديث لما حكم في بني قريظة بما هو معروف وقال‏:‏ ‏"‏ لمناديل سعد في الجنة خير من هذا ‏"‏ مشيراً إلى الحرير الذي أعجبهم كل هذه من بعض مناقبه مات رضي الله عنه شهيداً من سهم أصابه في غزوة الخندق وعاش بعده حتى حكم في بني قريظة وعدل في حكمه الذي وافق فيه حكم الله عز وجل‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ روي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال‏:‏ ‏"‏ لقد نزل من الملاتكة في جنازة سعد بن معاذ سبعون ألفاً ما وطأوا الأرض قبل ذلك ‏"‏‏.‏

قال ابن عبد البر‏:‏ وبلغني عن بعض السلف أن جبرائيل عليه السلام نزل من السماء معتماً بعمامة من استبرق وقال‏:‏ يا نبي الله من هذا الذي فتحت له أبواب السماء واهتزله العرش فخرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سريعاً يجر ثوبه فوجد سعداً وقد قبض وفي ذلك يقول رجل من الأنصار شعراً‏.‏

وما اهتز عرش الله من موت هالك علمنا به إل السعد أبي عمرو

 

السنة السادسة

فيها بيعة الرضوان في ذي القعدة وموت سعد بن خولة بمكة وذكر بعضهم فيها غزوة بني المصطلق وفرض الحج فيها وقيل سنة خمس وكسفت الشمس ونزل حكم الظهار‏.‏

 

السنة السابعة

فيها غزوة خيبر وفتحها في صفر وأكرم فيها بالشهادة بضعة عشر‏.‏

وتزوج صلى الله عليه وآله وسلم صفرة وميمونة وأم حبيبة وجاءته مارية القبطية هدية وبغلته دلدل وقدم جعفر بن أبي طالب وأصحابه من الحبشة رضي الله عنهم وأسلم أبو هريرة رضي الله عنه‏.‏

وفيها عمرة القضاء في ذي القعدة التي قضاها المسلمون عن عمرة الحديبية‏.‏

 

السنة الثامنة

فيها غزوة مؤتة في جمادى الأولى فاستشهد الأمراء الثلاثة الأجلة السادة زيد بن حارثة الكلبي مولى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومن فضائله تقديم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الإمارة‏.‏

على الأمراء وقوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ وإن كان خليقأ للأمرة ‏"‏ أي حقيقاً بها وكان قد أسرته العرب وهو صبي فجلب إلى المدينة‏.‏

فسمع به قرابته فقدم منهم جماعة لأجله وفيهم أبوه وعمه فوجدوه قد ملكه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأعتقه فكلموه صلى الله عليه وآله وسلم فيه فجعل صلى الله عليه وآله وسلم الخيرة إلى زيد أن اختار قومه أرسله معهم وإن اختار النبي صلى الله عليه وآله وسلم أقام معه فرغبه أهله إلى أن يختارهم فأبى واختار النبي صلى الله عليه وآله وسلم للسعادة السابقة وكان صلى الله عليه وآله وسلم يحبه وفيه نزل ‏"‏ وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه ‏"‏ الأحزاب قيل أنعم الله تعالى عليه بالإيمان وأنعمت عليه بالعتق والإحسان‏.‏

وزوجة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم زينب بنت جحش فأقامت عنده‏.‏

إلى أن فارقها لما فهم أن لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيها رغبة موثراً بها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على نفسه فزوجها الله تعالى عند ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما أخبر سبحانه بقوله ‏"‏ فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها ‏"‏ عوضها الله تعالى أشرف الخلق وأكرمهم صلى الله عليه وآله وسلم لما انقادت وأطاعت في زواج زيد بعد أن كانت قد كرهته هي وأخوها لكونه مولى فلما أنزل الله عز وجل في ذلك‏:‏ ‏"‏ وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ‏"‏ الآية إذعناً وأطاعا واستسلما لحكم الله تعالى فأعقبها ذلك السعادة الكبرى في الدنيا والآخرة‏.‏

وقال ابن عبد البر‏:‏ كان قد سبي في الجاهلية وهو غلام فاشتراه حكيم بن حزام لعمته خديجة بأربع مائة درهم فلما تزوجها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم تبناه صلى الله عليه وآله وسلم بمكة قبل النبوة فهو ابن ثمان سنين فقال أبوه حارثة حين فقده‏.‏

أشعاراً‏:‏ بكيت على زيد ولم أدر ما فعل أحي يرجى أم أتى دونه الأجل فو الله ما أدري وإن كنت سائلاً أغالك سهل الأرض أم غالك الجبل تذكرنيه الشمس عند طلوعها ويعرض ذكراه إذا قارب الطفل وإن هبت الأرواح هيجن ذكره فيا طول ما حزني عليه وما وجل سأعمل نضر العيش في الأرض جاهداً ولا أسأم التطواف أوتشأم الأبل حياتي أو تأتي علي منيتي وكل امرء فان وإن غره الأمل فحج بعد ذلك ناس من كلب فرأوا زيداً فعرفهم وعرفوه فقال لهم أبلغوا أهلي الأبيات فإني أعلم أنهم قد جزعوا علي فأنشد أشعاراً‏:‏ فكفوا من الوجد الذي قد شجاكم ولا تعلموا في الأرض نض الأباعر فإني بحمد الله في خيرأسرة كرام معد كابن بعد كابن فانطلق الكلبيون وأعلموا أباه فخرج أبوه وعمه لفدائه وقدما مكة والياً النبي صلى اله عليه وآله وسلم وقالا له‏:‏ يا ابن عبد المطلب يا ابن هاشم يا ابن سيد قومه أنتم أهل حرم الله‏.‏

وجيرانه تفكون العاني وتطعمون الأسير جئناك في ابننا فامنن علينا وأحسن إلينا في فدائه قال‏:‏ ‏"‏ من هو ‏"‏ قالوا‏:‏ زيد بن حارثة فقال صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ فهلا غير ذلك ‏"‏ قالوا‏:‏ وما هو قال‏:‏ ‏"‏ ادعوه فأخبره فإن اختاركم فهو لكم وإن اختارني فو الله ما أنا بالذي اختارعلى من اختارني أحداً ‏"‏ قالوا‏:‏ قد زدتنا على النصف وأحسنت فدعاه النبي صلى الله عليه وآله وسلم وخيره فقال‏:‏ ما أنا بالذي اختار عليك أحداً أنت مني مكان الأب والعم فقالوا‏:‏ ويحك يا زيد أتختار العبودية على الحرية وعلى أبيك وعمك وأهل بيتك قال‏:‏ نعم قد رأيت من هذا الرجل شيئاً ما أنا بالذي أختار عليه أحداً فلما رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذلك أدخله الحجر وقال‏:‏ ‏"‏ يا من حضر اشهدوا أن زيداً ابني يرثني وأرثه ‏"‏ فلما رأى ذلك أبوه وعمه طابت أنفسهما وانصرفا فادعي يومئذ زيد بن محمد‏.‏

وذكر معمر في جامعه عن الزهري قال‏:‏ ما علمنا أحداً أسلم قبل زيد بن حارثة قال عبد الرزاق وما أعلم أحداً ذكر هذا غير الزهري وقد روي عن الزهري من وجوه أن أول من أسلم خديجة وشهد زيد بدراً وزوجه صلى الله عليه وآله وسلم مولاته أم أيمن فولدت له أسامة وكان يقال له‏:‏ حب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكذا يقال‏:‏ لزيد ثم زوجه صلى الله عليه وآله وسلم زينب على ما تقدم والله أعلم‏.‏

ثم استشهد بعده جعفربن أبي طالب وهو ابن إحدى وأربعين سنة‏.‏

ومن فضائله ارسال النبي صلى الله عليه وآله وسلم له أميراً وحصول الهجرتين له ولأصحابه وصدقه بين يدي النجاشي في أن عيسى صلوات الله عليه وسلامه عبدالله ورسوله مع اتخاذ النصارى له إلهاً وقتلهم من يصفه بكونه عبداً واسهامه صلى الله عليه وآله وسلم ولأصحابه يوم خيبر ولم يكونوا شهدوا الوقعة وشدة شفقته على المساكين وبره لهم كما ورد في الحديث‏.‏

قلت‏:‏ هذا ما لخصته من أقوال العلماء وكان يشبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم في خلقه وخلقه وكان أكبر من علي بعشر سنوات وعقيل أكبر من جعفر بعشر سنين وطالب أكبر من عقيل بعشر سنين أيضاً ‏"‏ ولما قتل عوضه الله بقطع يديه جناحين يطير بهما في الجنة حيث شاء ‏"‏ رواه الزبير بن بكار في تاريخه عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورواه ابن أبي شيبة‏.‏

ثم استشهد بعدهما عبدالله بن رواحة الخزرجي ومن فضائله أنه أحد النقباء ليلة العقبة وإن النبي صلى الله عليه وآله وسلم جعله أميراً بعد جعفر ومنها قوة إيمانه ومن ذلك قوله والله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا فأنزلن سكينة علينا وثبت الأقدام إذ لاقينا إن الأعادي قد بغوا علينا إذا أرادوا فتنة أبينا وقوله‏:‏ وفينا رسول الله يتلو كتابه إذا انشق معروف من الفجر ساطع أتانا الهدى بعد العمى فقلوبنا به موقنات أن ما قال واقع يبيت يجافي جنبه عن فراشه إذا استثقلت بالمشركين المضاجع ثم أخذ الراية خالد بن الوليد المخزومي لما أصيب الأمراء الثلاثة المذكورون من غير إمرة فاستظهر على المشركين وتحيز بالمسلمين‏.‏وهي أول مشاهده في الإسلام قلت وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ ثم أخذها سيف من سيوف الله ‏"‏ مدح عظيم وفخر وتنويه إلى آخر الدهر‏.‏

وفي السنة المذكورة فتح مكة في رمضان وغزوة حنين في شوال ثم حصار الطائف ونصب المنجنيق عليها ثم رحل المسلمون عنها وأسلم أهلها في العام القابل وفيها غزوات ذات السلاسل وغلاء السعر فقالوا سعر لنا يا رسول الله فاعلمهم أن الله تعالى هو المسعر وهو القابض والباسط‏.‏

وفيها ولد ابناهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتوفيت ابنته

 

السنة التاسعة

فيها وقعت غزوة تبوك

في رجب وحج أبو بكر رضي الله تعالى عنه بالناس وصلى النبي صلى الله عليه وسلم على النجاشي صلاة الغائب ووصفه صلى الله عليه وسلم بالصلاح وموته رحمه الله في رجب وتوفيت أم كلثوم بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن أبي ابن سلول ي ذي القعمة وقتل عروة بن مسعود الثقفي قتله قومه إذ دعاهم إلى الإسلام وكان من دهاة العرب الأربعة المعدودين الآتي ذكرهم بعد إن شاء الله تعالى وهو أحد الرجلين اللذين قال المشركون‏:‏ لولا أنزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم‏.‏

هو من الطائف والوليد بن المغيرة من مكة وتوفي سهل ابن بيضاء الفهري صلى الله عليه وسلم في المسجد‏.‏

وقتل ملك الفرس وملكوا عليهم بوارن بنت كسرى إليها الإشارة بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ لا يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة ‏"‏‏.‏

 

السنة العاشرة

فيها حجة الوداع ووفاة ابناهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو ابن سنة ونصف فحزن عليه صلى الله عليه وآله وسلم وقال‏:‏ ‏"‏ العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي الرب وإنا بفراقك يا ابناهيم لمحزونون ‏"‏ قلت‏:‏ وفي الحديث الصحيح‏.‏

وقد تقدم إن الشمس كسفت في السنة السادسة‏.‏

وفيه بعض إشكال فإنه لم ينقل أن الشمس كسفت‏.‏

في عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم غير مرة فإن كسفت مرتين فلا إشكال وإلا فأحد النصين لا يصح بل كسفت في العاشرة أو مات ابن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في السادسة والله أعلم‏.‏

وقد ذكر بعض أصحابنا الشافعية‏:‏ أن الشمس كسفت في غير اليوم الثامن والعشرين محتجاً بكسوفها يوم مات ابناهيم رداً على أهل علم الفلك زاعماً أن موت ابناهيم في غير اليوم المذكور فهذا يحتاج إلى نقل صحيح فإن العادة المستقرة كسوفها في اليوم المذكور والله أعلم‏.‏

ولما ولد ابناهيم رضوان الله عليه بشر به أبو رافع النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوهب له عبداً وقال صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ ولد لي ولد فسميته باسم أبي ابناهيم صلى الله عليه وآله وسلم ‏"‏ وذكر ابن بكار أن الأنصار تنازعوا في من يرضعه فدفعه صلى الله عليه وآله وسلم إلى أبي سيف فلما توفي قال صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ إن له مرضعة في الجنة ‏"‏‏.‏

وفيها إسلام جرير ونزول قوله تعالى‏:‏ ‏"‏ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ‏"‏ - المائدة‏:‏ 3 - وظهور الأسود العنسي بالنون بعد العين المهملة الدجال المدعي للنبوة وكان له شيطان‏.‏

يخبره ببعض الأشياء الغائبة عن الناس فضل به خلق كثير واستولى على اليمن إلى أن قتل في العام القابل في صفر وكان بين ظهوره وقتله نحو من أربعة أشهر وكثرت الوفود في السنة العاشرة ودخل الناس في دين الله أفواجاً‏.‏

وبعضهم ذكر الوفود في التاسعة وكانت غزوات النبي صلى الله عليه وآله وسلم خمساً وعشرين وقيل سبعاً وعشرين وسراياه ستاً وخمسين وقيل غير ذلك والله أعلم‏.‏

السنة الحادية عشر توفي فيها المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم في وسط نهار الاثنين في ربيع الأول‏.‏

قلت وفيما قيل‏:‏ إنه توفي في الثاني عشر منه أشكال لأنه صلى الله عليه وسلم كانت وقفته بالجمعة في السنة العاشرة إجماعاً فإذا كان ذلك لا يتصور وقوع يوم الاثنين في ثاني عشر ربيع الأول من السنة التي بعدها وذلك مطرد في كل سنة تكون الوقفة قبله بالجمعة على كل تقدير من تمام الشهور ونقصانها وتمام بعضها ونقصان بعض‏.‏

ولم يعتمر صلى الله عليه وآله وسلم بعد الهجرة سوى أربع عمر كلهن في ذي القعدة ما خلا التي مع حجته فإن أفعالها وقعت في ذي الحجة‏.‏

وسميت حجة الوداع لأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ودع الناس فيها ولم يحج النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعد الهجرة سواها‏.‏

وأما قبل الهجرة فلم يضبط عدد حجاته صلى الله عليه وآله وسلم غير أنه أقام بعد النبوة بمكة ثلاث عشرة سنة على القول الراجح المشهور وقيل عشراً وقيل خمس عشرة وأقام بالمدينة عشراً بالاجماع كان مبعثه صلى الله عليه وآله وسلم على رأس أربعين سنة من مولده‏.‏

وروى البخاري في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ أنزل القرآن على النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين سنة وعن عائشة مثل ذلك‏.‏

وتوفي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين سنة وفي إقامته بمكة والمدينة يقول أبو ليث صرمة بن قيس الأنصاري‏.‏

ثوى في قريش بضع عشرة حجة وذكر لو يلقى صديقاً موليا ويعرض في أهل المواسم فنه ولم يرمن يؤوي ولم ير داعيا فلما أتانا واستقر به السوى وأصبح مسروراً بطيبة راضيا وأصبح لا يخشى ظلامة ظالم بعيد ولا يخشى من الناس باغيا بذلنا له الأموال من جل مالنا وأنفسنا عند الوغى ولا ناسيا نادى الذي عادى من الناس كلهم جميعاً وإن كان الحبيب الموليا ونعلم أن الله لا شيء غيره وأن كتاب الله أصبح هاديا وكان مولده صلى الله عليه وآله وسلم عام الفيل بمكة في شعب بني هاشم في الدار التي كانت تدعى بعد ذلك لمحمد بن يوسف أخي الحجاج‏.‏

وتوفي جده عبد المطلب وهو ابن ثمان سنين في أحد الأقوال وشهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بناء الكعبة وتراضت قريش بحكمه وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة على أحد الأقوال فيما نقل ابن عبد البر‏.‏

قلت هذا مشكل فإنهم نقلوا في السيرة أنه كان وهو صبي صغير وفي ذلك قضية مشهورة وقعت له حين نزع بردته ووضعها على كتفه يتقي بها الحجارة فحصل له في ذلك عشرين سنة على القول المشهور‏.‏

وفرضت الصلوات الخمس ليلة الإسراء بمكة بعد النبوة لعشر سنين وثلاثة أشهر قيل ليلة سبع وعشرين من رجب وقيل بل في الربيع الأول وقيل في الثاني وقيل في رمضان وأما الصوم ففرض بعد الهجرة بسنتين واختلفوا في الزكاة هل فرضت قبل الصوم أم بعده‏!‏‏.‏

قلت ومناقبه صلى الله عليه وسلم ومحاسنه قد ملأت الوجود شهرة ولو اجتمع الخلق على أن يحصوها‏.‏

كان وصفهم من بحرها قطرة ولم يتعرض الذهبي لشيء من شمائله صلى الله عليه وسلم ولا رأيت أحداً من أهل التواريخ تعرض لذلك مع تعرضهم لأوصاف الناس الذين يؤرخون موتهم فكان ذكر وصفه صلى الله عليه وسلم أولى وأحرى وأبهج وأبهى‏:‏ وها أنا أذكر شيئاً مما رويناه بسندنا من ذلك مما أخرجه الحافظ أبو عيسى الترمذي رحمه الله غير ملتزم لترتيبه وأذكر شيئاً من أوصافه صلى الله عليه وسلم ومحاسن خلقه وخلقه وأقدم على ذلك ذكر نسبه صلى الله عليه وسلم‏.‏

أما نسبه عليه أفضل الصلوات والسلام المتفق عليه بين العلماء الأعلام فهم محمد بن عبدالله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن الياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان ذا هو نسبه المتفق عليه إلى عدنان‏.‏

أما ما فوقه ففيه خلاف لا يهتدى إلى معرفة حقيقته بإيضاح وبيان‏.‏

وأما صفته صلى الله عليه وآله وسلم فقد روينا في كتاب شمائله صلى الله عليه وآله وسلم تصنيف الشيخ الإمام الحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة الترمذي حمه الله بسندنا المتصل عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه أنه قال‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليس بالطويل البائن ولا بالقصير ولا بالأبيض الأمهق ولا بالأدم ولا بالجعد القطط ولا بالسبط بعثه الله تعالى على رأس أربعين سنة فأقام بمكة عشر سنين وبالمدينة عشر سنين وتوفاه الله تعالى على رأس ستين سنة وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء‏.‏

قلت وقد تقدم أن القول الراجح أنه صلى الله عليه وآله وسلم أقام بعد النبوة بمكة ثلاث عشرة سنة والصحيح عند جمهور العلماء أن عمره صلى الله عليه وآله وسلم ثلاث وستون سنة‏.‏

وبسندنا المتصل في الكتاب المذكور أيضا إلى البراء بن عازب رضي الله عنه أنه قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رجلاً مربوعاً بعيد ما بين المنكبين عظيم الجمة إلى شحمة أذنيه عليه حلة حمراء ما رأيت شيئا قط أحسن منه وفي الرواية الأخرى عنه ما رأيت من ذي لمة في حلة حمراء أحسن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له شعر يضرب منكبيه بعيد ما بين المنكبين لم يكن بالقصير ولا بالطويل‏.‏

وروينا فيه أيضا عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه أنه كان إذا وصف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ لم يكن بالطويل الممعط لا بالقصير المتردد كان ربعة من القوم لم يكن بالجعد القطط ولا بالسبط كان جعداً رجلاً ولم يكن بالمطهم ولا بالمكلثم في وجهه تدوير أبيض مشرب أدعج العينين أهدب الأشفار جليل المشاس والكتداجرد ذو مسربة شثن الكفين والقدمين إذا مشى تقلع كأنما ينحط من صبب وإذا التفت التفت معاً‏.‏

بين كتفيه خاتم النبوة أجود الناس صدراً وأصدق الناس لهجة وألينهم عريكة وأحسنهم عشرة من رآه بديهة هابه ومن خالطه معرفة أحبه يقول ناعته‏:‏ لم أر قبله ولا بعده مثله صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏

قال أبو عيسى‏:‏ سمعت أبا جعفر محمد بن الحسين يقول‏:‏ سمعت الأصمعي يقول في تفسير صفة النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ الممعط الذاهب طولاً والمتردد الداخل بعضه في بعض قصراً وأما القطط فشديد الجعودة والرجل الذي في شعره حجولة أي تثن قليلاً يعني الرجل بكسر الجيم وأما المطهم فالبادن الكثير اللحم والمكلثم المدور الوجه والمشرب الذي في بياضه حمرة‏.‏

والأدعج الشديد سواد العين والأهدب الطويل الأشفار والكتد المجتمع الكتفين وهو الكاهل والمسربة الشعر الدقيق الذي كأنه قضيب من الصدر إلى السرة والشثن الغليظ الأصابع من الكفين والقدمين والتقلع إن يمشي بقوة والصبب الحدور قول‏:‏ انحدرنا في صبب وصبوب قوله‏:‏ جليل المشاس يريد رؤوس المناكب والعشرة الصحبة والعشير الصاحب والبديهة المفاجأة يقال‏:‏ بدهته بأمر‏:‏ أي فجأته‏.‏

وروينا فيه أيضا عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال‏:‏ سألت خالي هند بن أبي هالة وكان وصإذا لحلية النبي صلى الله عليه وسلم وأنا أشتهي أن يصف لي منها شيئا أتعلق به فقال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فخماً مفخماً يتلألأ وجهه تلألأ القمر ليلة البدر أطول من المربوع وأقصر من المشذب عظيم الهامة رجل الشعر إن انفرقت عقيصته فرق وإلا فلا يجاوز شعره شحمة أذنيه إذا هو وفره أزهر اللون واسع الجبين ازج الحواجب سوابغ في غير قرن بينهما عرق يدره الغضب أقنى العرنين له نور يعلوه يحسبه من لم يتأجله اشم كث اللحية سهل الخدين ضليع الفم مفلج الأسنان دقيق المسربة كان عنقه جيد دمية في صفاء الفضة معتدل الخلق بادن متماسك سواء البطن والصدر عريض الصدر بعيد ما بين المنكبين ضخم الكراديس أنور المتجرد موصول ما بين اللبة والسرة بشعر يجري كالخط عاري الثديين والبطن مما سوى ذلك لشعر الذراعين والمنكبين وأعالي الصدر طويل الزندين رحب الراحة شثن الكفين والقدمين سائل الأطراف أو قال شائل الأطراف خمصان الأخمصين مسيح القدمين ينبو عنهما الماء إذا أزال زال قلعاً يخطو تكفياً ويمشي هوناً ذريع المشية إذا مشى كأنما ينحط من صبب إذا التفت التفت جميعاً خافض الطرف نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى السماء جل نظره الملاحظة يسوق أصحابه ويبدر من لقي بالسلام‏.‏

وروينا فيه أيضاً عن جابر بن سمرة رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضليع الفم أشكل العين منهوش العقب قال شعبة‏:‏ قلت لسماك يعني أحد رواة هذا الحديث‏:‏ ما ضليع الفم قال‏:‏ عظيم الفم قلت‏:‏ ما أشكل العين قال‏:‏ طويل شق العين‏:‏ قلت منهوش العقب قال‏:‏ قليل لحم العقب‏.‏

وفي رواية أخرى عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ليلة أضحيان وعليه حلة حمراء فجعلت انظر إليه وإلى القمر فلهو عندي أحسن من القمر‏.‏

قلت‏:‏ يعني في حسن لونه وريق بهجته وأما باقي محاسن صورته‏.‏

فليس القمر مشاركة في شيء منها‏.‏

وروينا فيه أيضاًعن جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏"‏ عرض على الأنبياء فإذا موسى ضرب من الرجال كأنه من رجال شنوءة ورأيت عيسى ابن مريم فإذا هو أقرب من رأيت به شبهاً عروة بن مسعود ورأيت ابناهيم فإذ هو أقرب من رأيت به شبهاً صاحبكم يعني نفسه ورأيت جبرائيل إذا هو أقرب من رأيت به شبهاً دحية ‏"‏ صلوات الله وسلامه على نبينا وعليهم أجمعين‏.‏

وروينا فيه أيضاً عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أفلج الثنيتين إذا كلم رئي كالنور يخرج من بين ثناياه صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏

تواضعه صلى الله عليه وآله وسلم عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبدالله ورسوله ‏"‏‏.‏

وعن أنس بن ماللك رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعود المريض ويشهد الجنازة ويركب الحمار ويجيب دعوة العبد وكان يوم قريظة على حمار مخطوم بحبل من ليف عليه أكاف من ليف‏.‏

وعنه قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعى إلى خبز الشعير والإهالة السخنة فرجيب‏.‏

وعنه أيضاً قال‏:‏ حج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على رجل رث وعليه قطيفة خلق لا يساوي أربعة دراهم فقال اللهم اجعله حجاً مبروراً لا رياء فيه ولا سمعة‏.‏

وعنه أيضاً قال‏:‏ لم يكن شخص أحب إليهم من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وكانوا إذا رأوه ولم يقوموا له لما يعلمون من كراهيته لذلك‏.‏

وعن الحسن بن علي رضي الله تعالى عنهما قال‏:‏ سألت أبي عن دخول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال‏:‏ اذا أوى إلى منزله جزأ دخوله ثلاثة أجزاء جزءاً لله وجزءاً لأهله وجزءاً لنفسه ثم جزأ جزءاً بينه وبين الناس فيودي ذلك بالخاصة على العامة ولا يدخر عنهم شيئاً للعامة وكان من سيرته في جزء الأمة إيثار أهل الفضل باذنه وقسمه على قدر فضلهم في الدين فمنهم ذو الحاجة ومنهم ذو الحاجتين ومنهم ذو الحوائج فيتشاغل بهم ويشغلهم عما أصلحهم الأمة من مسألتهم عنه‏.‏

قلت‏:‏ هذا في الشمائل من مسألتهم عنه وفي كتاب الشفاء من مسألته عنهم وأخبارهم بالذي ينبغي لهم ويقول‏:‏ ‏"‏ ليبلغ الشاهد منكم الغائب وابلغوني حاجة من لا يستطيع ابلاغها إنه من أبلغ سلطاناً حاجة من لا يستطيع ابلاغها ثبت الله قدميه يوم القيامة لا يذكر عنده إلا ذلك ولا يقبل من أحد غيره يدخلون رواداً ولا يفترقون إلاعن ذواق ويخرجون أدلة يعني على الخير ‏"‏‏.‏

قلت‏:‏ وقوله عن ذواق قيل‏:‏ ذواق العلم والفوائد لأنه صلى الله عليه وآله وسلم ما كان عنده شيء من الدنيا يسع به الخلايق قال‏:‏ فسألته عن مخرجه كيف كان يصنع فيه قال كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يخزن لسانه إلا فيما يعنيه ويؤلفهم ولا ينفرهم ويكرم كريم كل قوم ويوليه عليه ويحذر الناس ويحترس منهم من غير أن يطوي عن أحد منهم بشره ولا بخلقه ويتفقد أصحابه ويسأل الناس عما في الناس ويحسن الحسن ويصوبه ويقبح القبيح ويوهيه معتدل الأمر غير مختلف لا يغفل مخافة أن يغفلوا أو يميلوا لكل امرىء عنده عتاد يعني أهبة لا يقصر عن الحق ولا يجاوزه الذين يلونه من الناس خيارهم وأفضلهم عنده أعمهم نصيحة وأعظمهم عنده منزلة أحسنهم مواساة ومواراة‏.‏

قال فسألته عن مجلسه فقال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجلس ولا يقوم إلا على ذكر فإذا انتهى إلى قوم جلس حيث ينتهي به المجلس ويأمر بذلك‏.‏

يعطي كلا ًنصيبه لا يحسب جليسه أن أحدا أكرم عليه ممن جالسه‏.‏

ومن سأله عن حاجته لم يرده ألا بها أو بميسور من القول قد وسع الناس بسطه وخلقه فصار لهم أباً وصاروا عنده في الحق سواء مجلسه مجلس حلم وحياء وصبر وأمانة لا ترفع فيه الأصوات ولا تؤبن فيه الحرم‏.‏

يتعاطفون فيه بالتقوى متواضعين يوقرون فيه الكبير ويرحمون فيه الصغير ويوثرون ذا الحاجة ويحفظون الغريب‏.‏

وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ لو أهدي إلي كراع لقبلت ولو دعيت إليه لأجبت ‏"‏‏.‏

وعن عمرة قالت‏:‏ قيل لعائشة رضي الله تعالى عنها‏:‏ ماذا كان يعمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في بيته فقالت‏:‏ كان بشراً من البشر يفلي ثوبه ويحلب شاته ويخدم نفسه‏.‏

وروى الترمذي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ كان يعلف البعير ويقم البيت ويخصف النعل ويرقع الثوب ويعلف الشاة ويأكل مع الخادم ويطحن معه إذا أعيى وكان لا يمنعه الحياء أن يحمل بضاعته من السوق إلى أهله ويصافح الغني والفقير ويسلم مبتدياً ولا يحقر ما دعي إليه ولو إلى حشف الثمر وكان هين المؤنة لين الخلق كريم الطبيعة جميل المعاشرة طلق الوجه بساماً من غير ضحك محزوناً من غير عبوس متواضعاً من غير مذلة جواداً من غير سرف رقيق القلب رحيماً بكل مسلم لم يتجشأ قط من شبع ولم يمد يده إلى الطمع صلى الله عليه وآله وسلم وعلى أصحابه وبارك وشرف كرم‏.‏

ذكر شيء من حيائه مما ورد في حيائه صلى الله عليه وآله وسلم روينا في كتاب الحافظ أبي عيسى المذكور عن أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏

أشد حياء من العنراء في خدرها وكان إذا كره الشيء عرفناه في وجهه‏.‏

وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت‏:‏ ما نظرت إلى فرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏

وقالت ما رأيت فرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏

ذكر شيء من خلقه يسير مما ورد من محاسن خلقه صلى الله عليه وآله وسلم اعلم إنه ما يهتدي أحد من خلق الله عز وجل إلى معرفة ما حوى خلقه الحسن من المحاسن الكريمة وجميل الأخلاق الكاملة العظيمة وقد أجمل الله تعالى من وصفه في محكم تنزيله ما لا تتسع الدفاتر لتفصيله‏.‏

فقال في الذكر الحكيم‏:‏ ‏"‏ وإنك لعلى خلق عظيم ‏"‏ فأعظم بما وصفه العظيم بكونه عظيماً‏.‏

فإنه لا يهتدي الخلق إلى إدراك كنه ذلك العظيم تفصيلاً لمجموع محاسنه وتعميماً‏.‏

ولكني أذكر شيئاً مما ورد في ذلك من الأخبار بحسب التبرك والتذكار‏.‏

روينا في الكتاب المذكور عن أنس رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ خدمت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عشر سنين فما قال لي أف قط وما قال لشيء صنعته لم صنعته ولا لشيء تركته لما تركته‏.‏

وكان صلى الله عليه وآله وسلم من أحسن الناس خلقاً ولا مسست خزاً قط ولا حريراً ولا شيئاً ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولا شممت مسكاً قط ولا عطراً كان أطيب من عرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لا يكاد يواجه أحداً بشيء يكرهه وكان عنده رجل به أثر صفرة فلما قام قال صلى الله عليه وآله وسلم للقوم‏:‏ ‏"‏ لو قلتم له يدع هذه الصفرة ‏"‏‏.‏

وروينا عن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت‏:‏ لم يكن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاحشاً ولا متفحشاً ولا صخاباً في الأسواق ولا يجزي بالسيئة السيئة لكن يعفو ويصفح‏.‏

وعنها أيضاً قالت‏:‏ ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بيده شيئاً قط إلا أن يجاهد في سبيل الله ولا ضرب خادماً ولا امرأة‏.‏

وعنها قالت‏:‏ ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منتصراً لنفسه من مظلمة ظلمها قط ما لم ينتهك من محارم الله شيء فإذا انتهك من محارم الله شيء كان أشدهم في ذلك غضباً‏.‏

وما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثماً‏.‏

وعنها قالت‏:‏ استأذن رجلاً على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عنده فقال بئس ابن العشيرة أو أخو العشيرة ثم أذن له فألان له القول فلما خرج قلت‏:‏ يا رسول الله قلت ما قلت ثم ألنت له القول فقال‏:‏ ‏"‏ يا عائشة إن من شر الناس من تركه الناس أو ودعه الناس اتقاء فحشه ‏"‏‏.‏

وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت‏:‏ قال لي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ كنت لك كأبي زرع لأم زرع الحديث ‏"‏ وأوله قالت‏:‏ جلست إحدى عشرة امرأة‏.‏

تعاهدن وتعاقدن أن لا يكتمن من أخبار أزواجهن شيئاً ثم ذكرت ما قالت‏:‏ كل واحدة منهن في حديث طويل ذكره البخاري رضي الله تعالى عنه‏.‏

وفي آخره قالت الحادية عشر زوجي أبو زرع وما أبو زرع أناس من حلي أذني وملأ من شحم عضدي ويجحني فبجحت إلى نفسي الحديث‏.‏

قال في آخره‏:‏ لما ذكرت ما أعطاها زوجها الثاني بقولها‏:‏ وأعطاني من كل رائحة زوجاً وقال كلي أم زرع وميري أهلك فلو جمعت كل شيء أعطانيه ما بلغ أصغرآنية أبي زرع‏.‏

قالت عائشة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كنت لك كأبي زرع لأم زرع‏.‏

وعن جابر بن عبدالله رضي الله تعالى عنهما قال‏:‏ ما سئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً قط فقال لا‏.‏

وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في شهر رمضان حتى ينسلخ فيأتيه جبرائيل عليه السلام فيعرض عليه القرآن فإذا لقيه جبرائيل كان صلى الله عليه وآله وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة‏.‏

وعن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأله أن يعطيه فقال صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ما عندي شيء ولكن اتبع علي فإذا جاءني شيء قضيته فقال عمر‏:‏ يا رسول الله قد أعطيته فما كلفك الله ما لا تقدر عليه وكره صلى الله عليه وآله وسلم قول عمر فقال رجل من الأنصار‏:‏ يا رسول الله انفق ولا تخش من ذي العرش إقلالاً فتبسم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعرف البشر في وجهه لقول الأنصاري ثم قال بهذا أمرت‏.‏

وعن الربيع بنت معوذ ابن عفراء رضي الله تعالى عنهما قالت‏:‏ اتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقناع من رطب وأجر زغب فأعطاني ملء كفيه حلياً وذهباً‏.‏

وفي رواية‏.‏

وعليه أجر من قثاء زغب وكان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحب القثاء فأتيت بها وعنده حلية قد قدمت عليه من البحرين فملأ يده منها وأعطانيه‏.‏

وعن علي رضي الله عنه قال‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم دائم البشر سهل الخلق لين الجانب ليس بفظ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مداح يتغافل عما لا يشتهيه ولا يوئس منه ولا يجيب فيه قد ترك نفسه من ثلاث‏:‏ الرياء والإكثار وما لا يعنيه وترك الناس من ثلاث‏:‏ كان لا يذم أحداً ولا يعيبه ولا يطلب عورته ولا يتكلم إلا فيما يرجو ثوابه وإذا تكلم أطرق جلساؤه كأنما على رؤوسهم الطير إذا سكت تكلموا لا يتنازعون عنده الحديث ومن تكلم عنده انصتوا له حتى يفرغ حديثهم عنده حديث أولهم يضحك مما يضحكون منه ويتعجب مما يتعجبون منه ويصبر للغريب على الجفوة في منطقه ومسألته حتى إن كان أصحابه ليستجلبونه ويقول‏:‏ ‏"‏ إذا رأيتم صاحب حاجة يطلبها فارقدوه ‏"‏ ولا يقبل الثناء إلا من مكافىء لا يقطع على أحد حديثه حتى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام‏.‏

ذكر شيء من عبادته مما جاء في عبادته صلى الله عليه وآله وسلم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى انتفخت قدماه فقيل له‏:‏ اتتكلف هذا وقد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فقال‏:‏ أفلا أكون عبداً شكوراً‏.‏

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه نحوه إلا أنه قال‏:‏ يصلي حتى تورمت قدماه‏.‏

وفي رواية عنه حتى تنتفخ‏.‏

وفي الجميع يقول النبي صلى الله عليه وآله سلم ‏"‏ أفلا أكون عبداً شكوراً ‏"‏‏.‏

وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت‏:‏ كان ينام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أول ليلة ثم يقوم فإذا كان من السحر أوتر ثم أتى فراشه فإذا كانت له حاجة ألم بأهله فإذا سمع الأذان وثب فإن كان جنباً إذاض عليه من الماء وإلا توضأ وخرج للصلاة‏.‏

وعنها وقد سئلت‏.‏كيف كانت صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏

في رمضان فقالت‏:‏ ما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يزيد في رمضان ولا في غيره على إحدى عشر ركعة يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي أربعاً فلا تسأل عن حسنهن وطولهن ثم يصلي ثلاثاً‏.‏

قالت‏:‏ قلت‏:‏ يا رسول الله أتنام قبل أن توتر قال‏:‏ يا عائشة إن عيني تنامان‏.‏

وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال‏:‏ كان صلى الله عليه وآله وسلم يصلي من الليل ثلاث عشرة ركعة‏.‏

وعن عائشة رضي الله تعالى عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا لم يصل من الليل منعه من ذلك النوم أو غلبت عيناه صلى من النهار اثنتي عشر ركعة‏.‏

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏"‏ إذا قام أحدكم من الليل فليفتح صلاته بركعتين خفيفتين ‏"‏‏.‏

وعن حذيفة اليمان رضي الله تعالى عنهما أنه صلى مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم من الليل قال فلما دخل في الصلاة قال الله أكبر ذو الملكوت والجبروت والكبرياء والعظمة ثم قرأ البقرة ثم ركع وكان ركوعه نحواً من قراءته وكان يقول سبحان ربي العظيم سبحان ربي العظيم ثم رفع رأسه وكان قيامه نحواً من ركوعه وهو يقول‏:‏ لربي الحمد لربي الحمد ثم سجد فكان سجوده نحواً من قيامه وكان يقول سبحان ربي الأعلى سبحان ربي الأعلى ثم رفع رأسه فكان بين السجدتين نحو من السجود وكان يقول‏:‏ رب اغفر لي رب اغفر لي حتى قرأ البقرة وآل عمران والنساء والمائدة أو الأنعام؛ شك شعبة‏.‏

وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت‏:‏ قام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بآية من القرآن ليلة‏.‏

وعن عبدالله يعني ابن مسعود رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ صليت ليلة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فلم يزل قائماً حتى هممت بأمر سوء قيل‏:‏ وما هممت به قال‏:‏ هممت أن أقعد وأدع النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏

وعن عبدالله بن شقيق قال‏:‏ سألت عائشة رضي الله تعالى عنها عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن تطوعه فقالت‏:‏ كان يصلي ليلاً طويلاً قائماً وليلاً طويلاً قاعداً فإذا قرأ وهو قائم ركع وسجد وهو قائم وإذا قرأ وهو جالس ركع وسجد وهو جالس‏.‏

وعن معاذة قالت‏:‏ قلت‏:‏ لعائشة رضي الله تعالى عنها أكان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي الضحى قالت‏:‏ نعم أربع ركعات‏.‏

وعن أنس رضي الله تعالى عنه أنه كان صلى الله عليه وآله وسلم يصلي الضحى ست ركعات‏.‏

وعن عبد الرحمن بن أبي يعلى قال‏:‏ ما أخبرني أحد أنه رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويصلي الضحى إلا أم هاني فإنها حدثت أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دخل بيتها يوم فتح مكة فاغتسل فسبح ثماني ركعات ما رأيته صلى صلاة قط أخف منها غير أنه كان يتم الركوع والسجود قلت‏:‏ الحديث الصحيح المشهور أن ذلك في أعلى مكة عند قدومه لفتحها‏.‏

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي الضحى حتى نقول لا يدعها وبدعها حتى نقول لا يصليها‏.‏

وعن أبي أيوب الأنصاري رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى لله عليه وآله وسلم كان يدمن أربع ركعات عند زوال الشمس وقال إن أبواب السماء تفتح عند زوال الشمس ولا ترتج حتى يصلي الظهر فأحب أن يصعد لي في تلك الساعة خير‏.‏

وفي رواية أخرى عمل صالح‏.‏

وعن عائشة رضي الله تعالى عنها‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي قبل الظهر ركعتين وبعدها ركعتين وبعد المغرب اثنتين وبعد العشاء ركعتين وقبل الفجر اثنتين‏.‏

وعن علي رضي الله تعالى عنه‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يصلي قبل الظهر أربعاً وبعدها ركعتين وقبل العصر أربعاً يفصل بين كل ركعتين بالتسليم على الملائكة المقربين والنبيين ومن تبعهم من المؤمنين والمسلمين قلت‏:‏ وفي حديث آخر‏:‏ يصلي قبل الظهر أربعاً وبعدها أربعاً‏.‏

ما ورد من بكائه صلى الله عليه وآله وسلم عن مطرف بن عبدالله بن الشخيرعن أبيه قال أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء‏.‏

وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قبل عثمان بن مظعون وهو ميت وهو يبكي أو قالت‏:‏ وعيناه تهرقان‏.‏

وعن عبدالله قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله وعليه وآله وسلم‏:‏ اقرأ علي فقلت‏:‏ يا رسول الله اقرأ عليك وعليك أنزل قال‏:‏ أني أحب أن أسمعه من غيري فقرأت سورة النساء حتى بلغت ‏"‏ وجئنا بك على هؤلاء شهيداً ‏"‏ النساء قال‏:‏ فرأيت عيني النبي صلى الله عليه وآله وسلم تهملان‏.‏

ذكر شيء من معجزاته صلى الله عليه وآله وسلم منها انشقاق القمر‏.‏

ومنها نبع الماء من بين أصابعه وتكثيره‏.‏

وتكثير الطعام لبركة دعائه صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏

وكلام الشجرة وشهادتها له بالنبوة‏.‏

وأجابتها دعوته لما قال له أعرابي‏:‏ من يشهد لك والشجرة التي جاءت إليه صلى الله عليه وآله وسلم حتى قضى حاجته خلفها‏.‏

وحنين الجذع إليه صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏

وتسبيح الطعام الذي كان يأكل منه صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏

وتسبيح الحصى في كفه وتسليم الأشجار والأحجار عليه صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏

ورجف أحد به وببعض أصحابه صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏

وكلام الضب والذئب له والجمل‏.‏

وذلك ما روي أن أعرابياً صاد ضباً فجاءه والنبي صلى الله عليه وآله وسلم بين أصحابه فقال‏:‏ ما هذا قالوا‏:‏ نبي الله فقال‏:‏ واللات والعزى لا آمنت بك أو تؤمن هذا الضب وطرحه بين يدي النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ يا ضب ‏"‏ فأجاب بلسان مبين لبيك وسعديك يا زين من وافى القيامة فقال ‏"‏ من تعبد ‏"‏ قال‏:‏ الذي في السماء عرشه وفي الأرض سلطانه وفي الجنة رحمته وفي النار عقابه قال‏:‏ ‏"‏ فمن أنا ‏"‏ قإل‏:‏ رسول رب العالمين وخاتم النبيين قد أفلح من صدقك وخاب من كذبك فأسلم الأعرابي‏.‏

وروينا أن ذئباً أخذ ظبياً فدخل الظبي الحرم فانصرف الذئب فعجب من رآه من الكفار فقال الذئب‏:‏ أعجب من ذلك محمد بن عبدالله بالمدينة يدعوكم إلى الجنة وتدعونه إلى النار‏.‏

وروي أن بعيراً جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فوضع مشفره في الأرض وبرك بين يديه فسأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن شأنه فأخبر‏:‏ ان أهله أرادوا ذبحه‏.‏

وفي رواية أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال لهم‏:‏ إنه يشكو كثرة العمل وقلة العلف‏.‏

وفي رواية شكا إلي أنكم أردتم ذبحه بعد أن استعملتموه في شاق العمل من صغره فقالوا نعم‏.‏

وروي أن حمام مكة أظلت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوم فتحها فدعا لها بالبركة‏.‏

وروي أنه أمر حمامتين فوقفتا بفم الغار وإن العنكبوت نسجت على بابه فلما رأى ذلك الطالبون له انصرفوا‏.‏

وروي أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان في صحراء فنادته ظبية يا رسول الله‏:‏ قال‏:‏ ‏"‏ ما حاجتك ‏"‏‏:‏ قال صادني هذا الأعرابي ولي خشفان في ذلك الجبل فأطلقني حتى أذهب فأرضعهما وأرجع قال‏:‏ ‏"‏ وتفعلين ‏"‏ قالت‏:‏ نعم فأطلقها فذهبت ورجعت فأوثقها فانتبه الأعرابي وقال يا رسول الله ألك حاجة قال‏:‏ ‏"‏ أطلق هذه الظبية ‏"‏ فأطلقها فخرجت تعدو في الصحراء وتقول أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله‏.‏

ومنها حديث الناقة التي شهدت عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم لصاحبها أنه ما سرقها وإنها ملكه وكلام الحمار الذي أصابه صلى الله عليه وآله وسلم بخيبر وقال له اسمي يزيد بن شهاب فسماه النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعفورا‏.‏

والعنز التي أتت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في عسكر‏.‏

وقد أصابهم عطش فحلبها صلى الله عليه وآله وسلم فأروى الجند الحديث وفيه طول‏.‏

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه‏:‏ ان يهودية أهدت إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بجنب شاة مصلية سمتها فأكل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منها وأكل القوم فقال‏:‏ ارفعوا أيديكم فإنها أخبرتني أنها مسمومة فمات بشر بن البراء فقال صلى الله عليه وآله وسلم لليهودية‏:‏ ‏"‏ ما حملك على ماصنعت ‏"‏ قالت‏:‏ إن كنت نبياً لم يضرك الذي صنعت وإن كنت ملكاً أرحت الناس منك فأمر بها فقلت وفي حديث آخر قالت‏:‏ أردت قتلك فقال‏:‏ ما كان الله ليسلطك على ذلك‏.‏

وأصيبت عين قتادة بن النعمان يوم أحد حتى وقعت على وجنته فردها رسول الله صلى الله عليه آله وسلم وكانت أحسن عينيه‏.‏

وعن حبيب بن يزيد‏:‏ أن أباه ابيضت عيناه فكان لا يبصر بهما شيئاً فنفث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فيهما فأبصر‏.‏

وتفل في عين علي رضي الله تعالى عنه يوم خيبر وكان رمداً فصار بارئاً‏.‏

وكانت في كف شرحبيل الجعفي سلعة تمنعه القبض على السيف وعنان الدابة فشكاها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فما زال يطحنها بكفه حتى لم يبق لها أثر‏.‏

ودعا صلى الله عليه وآله وسلم لعز الإسلام بعمر بن الخطاب أو بأبي جهل فاستجيب له في عمر رضي الله تعالى عنه‏.‏

قال ابن مسعود‏:‏ فما زلنا أعزة مذ أسلم عمر رضي الله تعالى عنه‏.‏

ودعا صلى الله عليه وآله وسلم في الاستسقاء فسقوا ثم شكوا إليه المطر فدعا فارتفع‏.‏

ودعا لابن عباس رضي الله تعالى عنهما اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل فصار حتى سمي الحبر وترجمان القرآن ودعا لجماعة بالبركة فظهرت عليهم البركات وربحوا في التجارات نهم عبدالله بن جعفر والمقداد وعروة بن أبي الجعد‏.‏

قال‏:‏ كنت أقوم بالكراسة فما ارجع حتى أربح أربعين ألفاً‏.‏

وقال البخاري في حديثه‏:‏ وكان لو اشترى التراب ربح فيه‏.‏

ودعا على مضر فقحطوا حتى استعطفته قريش ودعا لهم‏.‏

ودعا على كسرى حين مزق كتابه أن يمزق ملكه فلم تبق له باقية‏.‏

وقال لعتبة بن أبي لهب ‏"‏ اللهم سلط عليه كلباً من كلابك ‏"‏ فأكله أسد‏.‏

وقال لرجل رآه يأكل بشماله‏:‏ ‏"‏ كل بيمينك ‏"‏‏:‏ فقال‏:‏ لا أستطيع‏.‏

فقال‏:‏ ‏"‏ لا استطعت ‏"‏ فلم يرفعها إلى فيه‏.‏

ودعا على الحكم بن أبي العاص وكان يختلج بوجهه ويغمز عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال‏:‏ ‏"‏ كذلك كن ‏"‏ فلم يزد يختلج إلى أن مات‏.‏

وغير ذلك مما يخرج عن الانحصار‏.‏

هذا منه قطرة من بحار وللعلماء في المعجزات تصانيف مستقلات وإلى شيء من محاسنه الباهية في ظاهره وباطنه أشرت في بعض القصائد هذه الأبيات‏.‏

صلاة وتسليم يفوح شذاهما على سيد الكونين من آل هاشم نبي علا فوق النبيين منصباً يدا نوره من قبل نشوة آدم وجبة صبيح الوجه مصباح ظلمة محا بضيا العدل ظلام المظالم حليم كريم مشفق متعطف رؤوف بكل المؤمنين وراحم مبيد للأعادي ذو انتقام وسطوة غليظ على الكفار للكفر هادم مقر الندى بجر خضم وفي الوغا هزبر من الأسد الليوث الضراغم يروي القنا عند اللقا من دم العدى وبالبيض يقري البيض حتى الجماجم به الدهر أضحى ضاحكاً متبسماً عبوساً على أعدائه غير باسم مليح فصيح أبيض أدعج إذا تبسم خلت البرق بين المباسم إلى شحمة الأذنين يكسوه وفروة حكت جنح ليل مظلم اللون فاحم أغر به يستنزل القطر قد سقت أنامله جيشاً ربيعا لقادم شفيع البرإيا صاحب الحوض واللوا غياث الورى عند الدواهي الدواهم ومخترق سبعاً طباقاً بليلة بها في محل القدس أنس التنادم براقاً ومعراجاً من الكون قد علا إلى رتبة لا يرتقي بسلالم من الفرش حتى العرش شاهد في سرى كسبعة آلاف سنين توامم وكان له الروح الأمين مسائراً إلى سدرة من فوقها غير صارم له الرسل والأملاك تخدم في السماء فأكرم بمخدوم هناك وخادم يهنيه كل بالكرامة قائلاً لأحمد أهلاً مرحباً خير قادم وبات له بعداً محياك باسماً على أرضه لا تفخري وتعاظمي فوافى شراب الحب في الكلس قد صفا وقد طابت الأحباب وقت التنادم فقال التي قد رام موسى ولم يقل لدى الطور في أعلى السما غير دائم فقال لسان الحال في ذاك منشداً يعبر عن موسى بنظم ملائم قضاها لغيري وابتلاني بحبها بسابق علم لست فيه بعالم أنا طالب والغير مطلوب أنا بها مغرم أهريق في حبها دمي معنى بها والغير فيها منعم ولكم بين مشغوف معنى وناعم فلا نلت ما قد رمت منها ولا أنا من العتب أو بلوى هواها بعالم نهار التجلي صعقة قد لقيتها بها ضل عقلي زائلاً غير فاهم كفى شرفاً أن الحبيب مثبت لمذهب عقل للكليم وكالم لطرف أديب لم يرغ لا ولا طغى وقلب لبيب ساكن غيرهائم رأى ووعى ما لم ير غيره ولا وعى في السما من آية ومعالم علا فوق كل المصطفين مقرباً بأعلى مقام ما له من مزاحم ويا من ملأ الكونين فضلاً وسؤدداً فياضاً لفضل للخلائق عاصم ومن أمتي والرسل نفسي مقالهم يقول وهم ما بين جاث وجاثم من الهول يا غوث الورى من جهنم إذا ظن كل أنه غير سا لم لعاص فقير يافعي يماني لمداحكم يا سيد الرسل خادم أغث وأجر واشفع له ولعشرة مضى ذكرهم في نظمه المتقادم فاصل واصل ثم شيخ وأهله وصهر وذي الأرحام أهل التراحم وخل وقارىء كتبه ثم سامع وجار فكم حق على الجار لازم فأنت الذي لا شك تحت لوائه غدا آدم يمشي فمن دون آدم عليك صلاة الله ثم سلامه يصوغان نشراً محييا كل شامم وآلك أهل الفضل والفخر والعلى وأصحابك الزهر النجوم النواجم وأزواجك الغر القوانت في الدجى ذوات الصلاح القانتات الصوائم وسبحان من ذاتاً ووصفاً مقدس وأشرف مبد وذكر وخاتم روينا في الكتاب عن السائب بن يزيد قال‏:‏ ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقالت‏:‏ يا رسول الله إن ابن اختي وجع فمسح رأسي وروي برأسي فدعا بالبركة وتوضأ فشربت من وضوئه وقمت خلف ظهره فنظرت إلى الخاتم بين كتفيه فإذا هو مثل زر الحجلة‏.‏

وعن أبي نضرة قال‏:‏ سألت أبا سعيد الخدري عن خاتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعني خاتم النبوة فقال‏:‏ كان في ظهره بضعة ناشزة‏.‏

وعن عبدالله بن سرجس قال‏:‏ أتيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في أناس من الناس من الصحابة فدرت هكذا من خلفه فعرف الذي أريد فألقى الرداء عن ظهره فرأيت مثل الخاتم على كتفيه مثل الجمع حولها خيلان أنها ثآليل قلت‏:‏ قوله مثل الجمع بضم الجيم وسكون الميم‏.‏

قال في الصحاح جمع الكف بالضم وهو حين يقبضها يقال‏:‏ ضربته بجمع كفي‏.‏

صفة خاتم كفه وصفة تختمه عن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من ورق وكان فضه حبشياً‏.‏

وفي رواية أخرى عنه من فضة فصه منه وفي حديث آخر عنه أيضاً كان نقش خاتم النبي صلى الله عليه وآله وسلم محمد سطر ورسول سطر والله سطر‏.‏

وفي رواية أخرى عنه‏:‏ كأني أنظر إلى بياضه في كفه وأنه كان إذا دخل الخلاء نزع عن كفه‏.‏

وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال‏:‏ اتخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاتماً من ورق فكان في يده ثم كان في يد أبي بكر وعمر ثم كان في يد عثمان ثم وقع‏.‏

وروي حتى وقع في بيراريس نقشه محمد رسول الله‏.‏

وعن علي رضي الله عنه‏:‏ إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يلبس خاتمه في يمينه‏.‏

وعن عبدالله بن جعفر رضي الله تعالى عنهما‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتختم في يمينه‏.‏

وكذا رواه ابن عباس وجابر بن عبدالله رضي الله عنهم‏.‏

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله وآله وسلم اتخذ خاتماً من فضة وجعل فصه مما يلي كفه‏.‏

وروى بعض أصحاب الحديث عن قتادة عن أنس عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم إنه كان يتختم في يساره أيضاً‏.‏

قال الترمذي وهو حديث لايصح‏.‏

وعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال‏:‏ اتخذ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم خاتماً من ذهب فكان يلبس في يمينه فاتخذ الناس خواتيم من ذهب فطرحه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال لا ألبسه أبداً فطرح الناس خواتيمهم‏.‏

ذكر شعره صلى الله عليه وسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت‏:‏ كنت أغتسل أنا ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من إناء واحد وكان له شعر فوق الجمة ودون الوفية‏.‏

وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ كان شعر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليس بالجعد ولا بالسبط كان يبلغ شحمة أذنيه‏.‏

وفي رواية أخرى عنه كان إلى انصاف أذنيه‏.‏

وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يسدل شعره وكان المشركون يفرقون رؤوسهم وكان أهل الكتاب يسلمون رؤوسهم وكان يحب موافقة أهل الكتاب فيما لم يؤمر بشيء ثم فرق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رأسه‏.‏

وعن أم هانىء رضي الله تعالى عنها قالت‏:‏ رأيت شعر رسول الله ذا ضفائر أربع‏.‏

ذكر شيبة صلى الله عليه وآله وسلم عن أنس رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ ما عددت في رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولحيته إلا أربع عشرة شعرة بيضاء‏.‏

وقال غيره‏:‏ نحواً من عشرين‏.‏

وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال‏:‏ قال أبو بكر‏:‏ رسول الله قد شبت قال‏:‏ ‏"‏ شيبتني وهود والواقعة والمرسلات وعم تسألون وإذا الشمس كورت‏:‏ ‏"‏ وفي حديث آخر‏.‏

شيبتي هود وأخواتها‏.‏

عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت‏:‏ كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم القميص‏.‏

وعن أسماء بنت يزيد رضي الله عنها قالت‏:‏ كان كم قميص رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الرسغ‏.‏

وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلبسه الحبرة‏.‏

وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال‏:‏ ما رأيت أحداً من الناس أحسن في حلة حمراء من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إن كانت جمته لتقرب قربا من منكبه صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏

وعن أبي رمثة رضي الله عنه قال‏:‏ رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليه بردان أخضران‏.‏

وعن قيلة بنت مخرمة رضي الله عنها قالت رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليه أسمال مليتين كانتا بزعفران وقد نفضه قلت المليتين تصغير ملايتين تثنية ملاءة وهي نوع من الثياب‏.‏

وعن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لبس جبة رومية ضيقة الكمين‏.‏

وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت خرج النبي صلى الله عليه وآله وسلم ذات غداة وعليه مرط شعر أسود قلت ذكر في الصحاح أن المرط بالكسر كساء من صوف أو خز‏.‏

وعن سمرة بن جندب رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏

‏"‏ البسوا البياض فإنها أطهر وأطيب وكفنوا فيها موتاكم ‏"‏‏.‏

وعن جابر رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ دخل النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أعتم سدل عمامته بين كتفيه‏.‏

وعن الأشعث بن سليم قال‏:‏ سمعت عمتي تحدث عن عمها قال‏:‏ بينما أنا أمشي بالمدينة‏.‏

إذا إنسان خلفي يقول‏:‏ ارفع إزارك فإنه أنقى وأبقى‏.‏

فإذا هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقلت‏:‏ يا رسول الله إنما هي بردة ملحا فقال‏:‏ ‏"‏ أما لك في اسوة ‏"‏ فنظرت فإذا إزاره إلى نصف ساقيه‏.‏

ذكر نعله صلى الله عليه وآله وسلم عن قتادة رضي الله عنه قال‏:‏ قلت‏:‏ لأنس بن مالك كيف كان نعل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ لها قبالان وفي رواية أخرى أخرج لنا أنس بن مالك نعلين جرداوين لهما قبالان‏.‏

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يلبس النعال التي ليس فيها شعر ويتوضأ فيها فأنا أحب أن ألبسها لما قيل له رأيتك تلبس النعال السبتية‏.‏

وعن ابن بريدة رضي الله عنهما أن النجاشي أهدى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم خفين أسودين ساذجين فلبسهما ثم توضأ فمسح عليهما‏.‏

ذكر صفة مشيه صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ ما رأيت شيئاً أحسن من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كأن الشمس تجري في وجهه وما رأيت أحداً أسرع في مشيه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كأن الأرض تطوى له انا لنجهد أنفسنا وأنه لغير مكترث‏.‏

وعن علي رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا مشى تكفى تكفياً كإنما ينحط من صبب‏.‏

ذكر جلسته صلى الله عليه وسلم عن قيلة بنت مخرمة رضي الله عنها‏:‏ إنها رأت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المسجد قاعداً القرفصاء‏.‏

عن عباد بن تميم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنهما قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا جلس في المسجد أحبتى بيديه‏.‏

ذكر خبزه صلى الله عليه وسلم عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت‏:‏ ما شبع آل محمد من خبز الشعير يومين متتابعين حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏

وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يبيت الليالي متتابعة طاوياً وأهله لا يجدون عشاء وكان أكثر خبزهم خبز الشعير‏.‏

وعن سهل بن سعد رضي الله تعالى عنه أنه قيل له‏:‏ أكل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم النقى يعني الحواري فقال‏:‏ ما رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم النقي حتى لقي الله فقيل له‏:‏ هل كانت لكم مناخل على عهد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ ما كانت لنا مناخل‏:‏ قيل‏:‏ كيف كنتم تصنعون بالشعير قال‏:‏ كنا ننفخه فيطير منه ما طار ثم نعجنه‏.‏

وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ ما أكل النبي صلى الله عليه وآله وسلم على خوان ولا سكرجة ولا خبز مرقق قال‏:‏ فقلت‏:‏ لقتادة فعلى ما كانوا يأكلون قال‏:‏ على هذه السفر‏.‏

ذكر إدامه صلى الله عليه وسلم عن جابر وعائشة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏"‏ نعم الإدام الخل ‏"‏‏.‏

وفي حديث عبدالله نعم الادم أو الادام الخل‏.‏

وعن أبي أسيد رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ كلوا بالزيت وادهنوا به ‏"‏‏.‏

وعن ابن عمر مثله‏.‏

وكذلك عن زيد بن أسلم‏.‏

وعن يوسف بن عبدالله رضي الله عنه قال‏:‏ رأيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخذ كسرة من خبز شعير فوضع عليها تمرة وقال هذا دام هذه‏.‏

عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ كان أحب الشراب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحلو البارد‏.‏

وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال‏:‏ دخلت مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أنا و خالد بن الوليد على ميمونة فجاءتنا بإناء من لبن شرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأنا عن يمينه وخالد عن شماله فقال لي‏:‏ الشربة لك‏.‏

فإن شئت آثرت بها خالد أفقلت‏:‏ ما كنت لأوثر على سورك أحداً‏.‏

ثم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ من أطعمه الله طعاماً فليقل اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيراً منه ومن سقاه الله لبناً فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه ‏"‏ وقال صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ ليس شيء يجزئك عن مكان الطعام والشراب غير اللبن ‏"‏‏.‏

قال أبو عيسى وميمونة بنت الحارث زوج النبي صلى الله عليه وآله وسلم هي خالة خالد بن الوليد وخالة ابن عباس وخالة يزيد بن الأصم رضي الله عنهم‏.‏

ذكر أكله صلى الله عليه وسلم عن كعب بن مالك رضي الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يلعق أصابعه ثلاثاً وفي رواية أخرى كان يأكل بأصابعه الثلاث ويلعقهن وفي رواية عن أنس كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أكل طعاماً لعق أصابعه الثلاث‏.‏

وعن أبي جحيفة رضي الله عنه قال‏:‏ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ أما أنا فلا آكل متكئاً ‏"‏‏.‏

وعن أنس قال‏:‏ أتي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ بتمر فرأيته يأكل وهو مقع من الجوع قلت‏:‏ هذا من جلسة الإقعاء المعروفة‏.‏

ذكر شربه صلى الله وسلم عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم شرب من زمزم وهو قائم‏.‏

وعن علي رضي الله تعالى عنه أنه أتي بكوز من ماء وهو في الرحبة فأخذ منه كفاً فغسل يديه ومضمض واستنشق ومسح وجهه وذراعيه ورأسه وهو قائم ثم قال‏:‏ ‏"‏ هذا وضوء من لم يحدث ‏"‏ هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فعل‏.‏

وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يتنفس في الإناء ثلاتاً إذا شرب ويقول‏:‏ ‏"‏ هو أروى وامرأ ‏"‏‏.‏

قوله صلى الله عليه وسلم عند الطعام وعندما يفرغ منه عن عمر بن أبي سلمة رضي الله عنهما أنه د خل على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعنده طعام‏:‏ فقال‏:‏ ‏"‏ ادن يا بني فسم الله وكل بيمينك وكل مما يليك ‏"‏‏.‏

وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ إذا أكل أحدكم فنسي أن يذكر اسم الله على طعامه فليقل بسم الله أوله واخره ‏"‏‏.‏

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا فرغ من طعامه قال‏:‏ ‏"‏ الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين ‏"‏‏.‏

وعن أبي إمامة رضي الله عنه قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا رفعت المائدة من بين يديه يقول‏:‏ ‏"‏ الحمد لله حمداً كثيرا ًطيبا ًمباركاً فيه غير مودع ولا مستغني عنه ربنا ‏"‏ وفي الحديث الآخر‏.‏

غير مكفي ولا مكفور ولا مودع إلى آخره‏.‏

وعن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأكل طعاماً في ستة من أصحابه فجاء اعرابي فأكله بلقمتين فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ لو سمى لكفاكم ‏"‏‏.‏

وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة أو يشرب الشربة فيحمده عليها ‏"‏‏.‏

ذكروضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم عن زاذان عن سلمان رضي الله عنهما قال قرأت في التوراة أن بركة الطعام الوضوء بعده فذكرت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فأخبرته بما قرأت في التوراه قال رمسول الله صلى ذكر عيشه صلى الله عليه وسلم وما أكل من الألوان أو مدحه عن أبي طلحة رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ شكونا إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الجوع ورفعنا عن بطوننا عن حجر حجر فرفع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حجرين‏.‏

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في ساعة لا يخرج فيها ولا يلقاه فيها أحد فأتاه أبو بكر فقال‏:‏ ما جاء بك يا أبا بكر قال‏:‏ خرجت ألقى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وانظر في وجهه وأسلم عليه فلم يلبث إن جاء عمر فقال‏:‏ ما جاء بك يا عمر قال‏:‏ الجوع‏.‏

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ وأنا قد وجدت بعض ذلك ‏"‏ فانطلقوا إلى منزل أبي الهيثم بن التيهان الأنصاري وكان رجلاً كثير البخل والشماء ولم يكن له خدم فلم يجدوه وقالوا لامرأته‏:‏ اين صاحبك قالت‏:‏ انطلق يستعذب لنا الماء‏.‏

فلم يلبثوا أن جاء أبو الهيثم بقربة يزعبها فوضعها ثم جاء يلتزم النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويفديه بأبيه وأمه ثم انطلق بهم إلى حديقته فبسط لهم بساطاً ثم انطلق إلى نخله فجاء بقنو فوضعه فقال النبى صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ أفلا تنقيت لنا من رطبه ‏"‏ فقال‏:‏ يا رسول الله إني أردت أن تختاروا أو تخيروا من رطبه وبسره فأكلوا وشربوا من ذلك الماء فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ هذا والذي نفسي بيده من النعيم الذي تسألون عنه يوم القيامة ظل بارد ورطب طيب وماء بارد ‏"‏ فانطلق أبو الهيثم ليصنع لهم طعاماً فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ لا تذبحن ذات در ‏"‏ فذبح لهم عناقاً أو جدياً فأتاهم بها فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ هل لك خادم ‏"‏ قال‏:‏ لا قال‏:‏ فإذا أتانا سبي فأتنا فأتي النبي صلى الله عليه وآله وسلم برأسين ليس منهما ثالث فأتاه أبو الهيثم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ اختر منهما ‏"‏ فقال‏:‏ يا نبي الله اختر لي فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ إن المستشار مؤتمن خذ هذا فأني رأيته يصلي واستوص به معروفاً ‏"‏ فانطلق به أبو الهيثم إلى امرأته فأخبرها بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت امرأته‏:‏ ما أنت ببالغ ما قال فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلا أن تعتقه‏.‏

قال‏:‏ فهو عتيق‏.‏

فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ إن الله لم يبعث نبياً ولا خليفة إلا وله بطانتان بطانة تأمره بالمعروف وتنهاه عن المنكر وبطانة لا تألوه خبالاً ومن يوق بطانة السوء فقد وقي ‏"‏‏.‏

وعن أنس رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ لقد أخفت في الله وما يخاف أحد ولقد أوذيت في الله وما يؤذي أحد ولقد أتت علي ثلاثون ما بين ليلة ويوم وما لي ولبلال طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه أبط بلال ‏"‏‏.‏

وعن نوفل بن إياس الهذلي رضي الله عنه قال‏:‏ كان عبد الرحمن بن عوف لنا جليساً وكان نعم الجليس وأنه انقلب بنا ذات يوم حتى إذا دخلنا بيته دخل فاغتسل ثم خرج وأتانا بصحفة فيها خبز ولحم فلما وضعت بكى عبد الرحمن وقلت له‏:‏ يا أبا محمد ما يبكيك قال‏:‏ هلك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يشبع هو وأهل بيته من خبز الشعير فلا أرانا أخرنا لما هو خير لنا‏.‏

وعن أم هانىء بنت أبي طالب رضي الله عنها قالت‏:‏ دخل علي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وقال‏:‏ اما عندك شيء فقلت‏:‏ لا إلا خبزاً يابس وخل‏.‏

فقال هاتي‏:‏ ما أفقر بيت من أدم فيه خل وقد تقدم أيضاً عن جابر رضي الله تعالى عنه نعم الأدام الخل وكذلك عن عائشة وعن عبدالله رضي الله عنهما بمعناه‏.‏

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يأكل لحم الدجاج‏.‏

وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعجبه الدباء‏.‏

وعن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يحب الحلواء والعسل‏.‏

وعن عبدالله بن جعفر رضي الله عنهما قال‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يأكل القثاء بالرطب‏.‏

وعن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يأكل البطيخ بالرطب‏.‏

وعنها أيضاً قالت‏:‏ ما كان صلى الله عليه وآله وسلم يحب الذراع إلا لأنها أعجل اللحم نضجاً‏.‏

وعن عبدالله بن جعفر رضي الله عنهما قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ إن أطيب اللحم لحم الظهر ‏"‏‏.‏

وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يعجبه الثفل قال بعض الرواة يعني ما بقي من الطعام‏.‏

وعن أبي عبيد قال‏:‏ طبخت للنبي صلى الله عليه وآله وسلم قدراً وكان يعجبه الذراع فناولته الذراع ثم قال ناولني النراع فناولته ثم قال ناولني الذراع فقلت‏:‏ يا رسول الله كم للشاة من ذراع فقال‏:‏ ‏"‏ والذي نفسي بيده لو سكت لناولتني الذراع ما دعوت ‏"‏‏.‏

وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ أفضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام ‏"‏‏.‏

وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ اولم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بتمر وسويق‏.‏

وعن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ كان النبي عليه السلام يأتي فيقول أعندك غداء فأقول‏:‏ لا قالت‏:‏ فيقول أني صائم قالت‏:‏ فأتى يوماً فقلت يا رسول الله أهديت لنا هدية قال‏:‏ وما هي قلت حيس قال أما أني أصبحت صائماً قالت ثم أكل‏.‏

وعنها قالت‏:‏ ما شبع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من خبز شعير يومين متتابعين حتى قبض قلت‏:‏ وأما ما ذكر في الأحاديث من كونه صلى الله عليه وآله وسلم كان يحب الحلواء والعسل‏.‏

وأنه يأكل لحم الدجاج ونحو ذلك مما يستطاب فينبغي أن يعلم أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يقصد أن يصنع له شيء من ذلك لكن إذا حضر بين يديه اتفاقا أكله‏.‏

كما كان يأكل ما حضر من خبز شعير وغيره ولا يتوقف صلى الله عليه وآله وسلم على طعام مخصوص ولا لباس مخصوص ولا هيئة مخصوصة وينبغي لغيره إذا اشتهى شيئاً طئباً لا يجعله عادة مستمر بل إن كان ولا بد فأحياناً وينبغي مع ذلك أن يطعم منه المساكين‏.‏

وعن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ كان أحب الشراب إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الحلو البارد‏.‏

كما تقدم وتقدم أيضا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏"‏ من أطعمه الله طعاماً فليقل اللهم بارك لنا فيه وأطعمنا خيراً منه ومن سقاه الله لبناً فليقل اللهم بارك لنا فيه وزدنا منه ‏"‏ وقال صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ اليس شيء يجزىء مكان الطعام والشراب سوى اللبن ‏"‏‏.‏

ذكر شيء من الوضوء للطعام مما ورد عنه صلى الله عليه وآله وسلم في الوضوء للطعام وما يقال عند الطعام عن سلمان رضي الله عنه قال‏:‏ قرأت في التوراة أن بركة الطعام الوضوء بعده فذكرت ذلك للنبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ بركة الطعام الوضوء قبله والوضوء بعده ‏"‏ قلت هذا الحديث قد تقدم عن سلمان رواية ولفظاً‏.‏

وعن راشد بن جندل التابعي عن حبيب بن أوس عن أبي أيوب الأنصاري قال‏:‏ كنا عند النبي صلى الله عليه وآله وسلم يوماً فقرب إليه طعام فلم أرى أعظم بركة منه أول ما أكلنا ولا أقل بركة في آخره‏.‏

فقلنا‏:‏ يا رسول الله‏:‏ كيف هذا قال‏:‏ ‏"‏ إنا ذكرنا اسم الله حين أكلنا ثم قعد من أكل ولم يسم فأكل معه الشيطان ‏"‏‏.‏

وعن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ إذا أكل أحدكم فنسي أن يذكر الله عند طعامه فليقل بسم الله أوله وآخره ‏"‏‏.‏

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا فرغ من طعامه قال‏:‏ ‏"‏ الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وجعلنا مسلمين ‏"‏‏.‏

ذكر شيء مما جاء في تطييبه صلى الله عليه وآله وسلم وترجيل شعره وخضابه وتكحيله عن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ كانت لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم سكة يتطيب منها‏.‏

وفي رواية أخرى كان لا يرد الطيب‏.‏

وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏"‏ طيب الرجال ما ظهر ريحه وخفي لونه وطيب النساء ما ظهر لونه وخفي ريحه ‏"‏‏.‏

وعن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ كنت أرجل شعر رأس رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وأنا حائض‏.‏

وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يكثر دهن رأسه وتسريح لحيته‏.‏

وعن أبي رمثة رضي الله عنه قال‏:‏ اتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع ابن لي فقال ‏"‏ ابنك ‏"‏ فقلت‏:‏ نعم أشهد به قال‏:‏ ‏"‏ لا يجني عليك ولا تجني عليه ‏"‏ ورأيت الشيب أحمر‏.‏

قال أبو عيسى هذا أحسن شيء روي في هذا الباب وأفسر من الروايات الصحيحة أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لم يبلغ الشيب‏.‏

وعن قتادة رضى الله عنه قال‏:‏ قلت لأنس هل خضب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ لم يبلغ ذلك إنما كان شيبه في صدغه ولكن أبو بكر خضب بالحناء والكتم‏.‏

وفي رواية أخرى عن أنس رضي الله عنه قال رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مخضوباً‏.‏

وعن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يحب التيمن في طهوره إذا تطهر وفي ترجله إذا ترجل وفي انتعاله إذا انتعل‏.‏

وعن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏"‏ اكتحلوا بالاثمد فإنه يجلو البصر وينبت الشعر ‏"‏‏.‏

ومثله من رواية ابن عمر‏.‏

وعن ابن عباس كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يكتحل بالاثمد ثلاثا ثلاثاً قبل أن ينام‏.‏

كلامه صلى الله عليه وسلم عن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعيد الكلمة ثلاثاً ليعقل عنه‏.‏

وعن هند بن أبي هالة رضي الله عنه قال‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم متواصل الأحزان دائم الفكر ليست له راحة طويل السكوت لا يتكلم في غير حاجة ويتكلم بجوامع الكلم بكلامه فصل لا فضول ولا تقصير ليس بالجافي ولا المهين يعظم النعمة وإن دقت ولا يذم منها شيئاً غير أنه لم يكن يذم ذواقاً ولا يمدحه ولا يغضبه الدنياوما كان لها فإذا تعدى الحق لم يقم لغضبه شيء حتى ينتصر له‏.‏

ولا يغضب لنفسه ولا ينتصر لها الحديث‏.‏

قال في آخره‏.‏

وإذا غضب أعرض وأشاح جل ضحكه التبسم‏.‏

مزاحه صلى الله عليه وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قالوا‏:‏ يا رسول الله إنك تداعبنا قال‏:‏ ‏"‏ إني لا أقول إلا حقا ‏"‏‏.‏

تداعبنا يعني تمازحنا‏.‏

عن أنس رضي الله عنه أن رجلاً استحمل رسول الله صلى الله عليه وآله فقال إني حاملك على ولد الناقة فقال‏:‏ يا رسول الله ما أصنع بولد الناقة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ وهل تلد الإبل إلا النوق ‏"‏‏.‏

وعن المبارك بن فضالة عن الحسين قال‏:‏ اتت عجوز النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقالت‏:‏ يا رسول الله ادع الله لي أن يدخلني الجنة‏.‏

فقال‏:‏ ‏"‏ يا أم فلان أن الجنة لا يدخلها عجوز ‏"‏ قال‏:‏ فولت تبكي فقال‏:‏ ‏"‏ أخبروها أنها لا تدخلها وهي عجوز ‏"‏ إن الله عز وجل يقول ‏"‏ إنا أنشأناهن انشاء فجعلناهن أبكارًا عرياً أتراباً ‏"‏‏.‏

كلامه صلى الله عليه وسلم في الشعر عن أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن أصدق كلمة قالها الشاعر كلمة لبيد‏:‏ ألا كل شيء ما خلا الله باطل وكاد أمية بن أبي الصلت أن يسلم وعن عائشة رضي الله عنها أنه صلى الله عليه وآله وسلم كان يتمثل بشعر ابن رواحة وبقول طرفة‏.‏‏"‏ ويأتيك بالأخبارما لم تزود ‏"‏‏.‏

وعن جندب بن عبدالله البجلي رضي الله عنه قال‏:‏ اصاب حجر إصبع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فدميت فقال‏:‏ هل أنت إلا إصبع دميت وفي سبيل الله ما لقيت وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال‏:‏ وقد قيل له أفررتم عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعني يوم حنين فقال‏:‏ لا والله ما ولي رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولكن سرعان الناس تلقتهم او قال رشقتهم هوازن بالنبل ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على بغلته وأبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب آخذ بلجامها ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول‏:‏ أنا النبي لاكذب أنا ابن عبد المطلب وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال‏:‏ جالست النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكثرمن مائة مرة فكان أصحابه يتناشدون الشعر ويتذاكرون أشياء من أمر الجاهلية وهو صلى الله عليه وآله وسلم ساكت وربما تبسم معهم‏.‏

ضحكه صلى الله عليه وآله وسلم وعن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان لا يضحك إلا تبسماً وكنت إذا نظرت إليه قلت أكحل العينين وليس بأكحل‏.‏

وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ‏"‏ إني لأعرف آخر أهل النار خروجاً ‏"‏ الحديث‏.‏

وفيه‏.‏

فيقول‏:‏ تسخر بي وأنت الملك قال‏:‏ فلقد رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ضحك حتى بدت نواجذه‏.‏

عن عائشة رضي الله عنها قالت حدث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ذات ليلة نساء حديثاً فقالت امرأة منهن‏:‏ كان الحديث حديث خرافة فقال صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ أتردون ما خرافة ان خرافة كان رجلاً من عذرة أسرته الجن في الجاهلية فمكث فيهم دهراً ثم ردوه إلى الأنس فكان يحدث الناس بما رأى فيهم من الأعاجيب فقال الناس حديث خرافة‏.‏

نومه صلى الله عليه وآله وسلم عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أخذ مضجعه وضع كفه اليمنى تحت خده الأيمن قال‏:‏ ‏"‏ رب قني عذابك يوم تجمع عبادك ‏"‏‏.‏

وعن حذيفة رضي الله عنه قال‏:‏ كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم إذا أوى إلى فراشه فقال ‏"‏ اللهم باسمك أموت وأحيا ‏"‏ وإذا استيقظ قال‏:‏ الحمد لله الذي أحيانا بعدما أماتنا وإليه النشور ‏"‏‏.‏

وعن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه فنفث فيهما وقرأ فيهما ‏"‏ قل هو الله أحد ‏"‏ والمعوذتين ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده يبدأ بهما رأسه ووجهه ثم ما أقبل من جسده يصنع ذلك ثلاث مرات‏.‏

وفي رواية رويناها في جامعه الكبير يبدأ بهما على رأسه‏.‏

وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا أوى إلى فراشه قال‏:‏ ‏"‏ الحمد لله الذي أطعمنا وسقانا وكفانا وآوانا فكم ممن لا كافي له ولا مؤوي ‏"‏‏.‏

وعن أبي قتاة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه و آله وسلم كان إذا عرس بليل اضطجع على شقة الأيمن وإذا عرس قبيل الصبح نصب ذراعه ووضع رأسه على كفه‏.‏

فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ إنما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان ينام عليه آدماً حشوه ليف‏.‏

وعن حفصة بنت عمر رضي الله تعالى عنها قالت‏:‏ كان فراش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مسحاً تثنيه ثنيتين فينام عليه فلم كان ذات ليلة ثنيته بأربع ثنيات فلما أصبح قال‏:‏ ‏"‏ ما فرشتموني ‏"‏ وقال ‏"‏ أفرشتموني الليلة ‏"‏ قالت‏:‏ قلنا هو فراشك إلا أنا ثنيناه بأربع ثنيات قلنا هو أوطأ لك قال‏:‏ ‏"‏ ردوه بحاله الأول فإنه منعتني وطأته صلاتي لليلة ‏"‏‏.‏

حجامته صلى الله عليه وآله وسلم عن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ احتجم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حجمه أبو طيبة فأمر له بصاعين من طعام وكلم أهله فوضعوا عنه‏.‏

وفي رواية ابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ دعا حجاماً فحجمه وسأله كم خراجك فقال ثلاثة أصع فوضع عنه صاعاً من خراجه وأعطاه أجره وقال‏:‏ ‏"‏ إن أفضل ما تداويتم به الحجامة ‏"‏ أو أن من أمثل دوائكم الحجامة‏.‏

وروى الترمذي أيضاً أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم احتجم في الأخدعين و بين الكتفين وأعطى الحجام أجره ولو كان حراماً لم يعط‏.‏

و عن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ كان رسول الله صلى عليه وآله وسلم يحتجم في الأخدعين و الكاهل و كان يحتجم لسبع عشرة وتسع عشرة وإحدى وعشرين‏.‏

وعن أنس أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم احتجم وهو محرم بملل على ظهر القدم‏.‏

في أسمائه صلى الله عليه وآله وسلم عن جبير بن مطعم عن أبيه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ ان لي أسماء أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي الذي يمحو الله بي الكفر وأنا الحاشر الذي يحشر الناس على قدمي وأنا العاقب الذي ليس بعدي نبي ‏"‏‏.‏

وعن حذيفة رضي الله عنه قال‏:‏ لقيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم في بعض طرق المدينة فقال‏:‏ ‏"‏ أنا محمد وأنا أحمد وأنا الماحي وأنا نبي الرحمة ونبي التوبة وأنا المقفي وأنا الحاشر ونبي الملاحم ‏"‏ قلت وروى غير الترمذي أن له أسماء أخر يطول عددها‏.‏

في سنه صلى الله عليه وآله وسلم عن ابن عباس رضي الله عنهما قال‏:‏ مكث النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمكة ثلاث عشرة سنة يعني بعد نبوته وبالمدينة عشراً‏.‏

وعن عائشة رضي الله عنها‏:‏ ان النبي صلى الله عليه وآله وسلم مات وهو ابن ثلاث وستين‏.‏

في وفاته صلى الله عليه وآله وسلم عن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ آخر نظرة نظرتها الى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كشف الستارة يوم الاثنين فنظرت الى وجهه كأنه ورقة مصحف والناس خلف أبي بكر فأشار الى الناس أن استولوا وأبو بكر يؤمهم وألقى السجف وتوفي من آخر ذلك اليوم‏.‏

وعن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ رأيت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو بالموت وعنده قدح فيه ماء وهو يدخل يده في القدح ثم يمسح وجهه بالماء ثم يقول‏:‏ ‏"‏ اللهم أعني على سكرات الموت أو سكرة الموت ‏"‏‏.‏

وعنها قالت‏:‏ لما قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اختلفوا في دفنه فقال أبو بكر رضي الله عنه‏:‏ سمعت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئاً ما نسيته قال‏:‏ ما قبض الله نبياً إلا في الموضع الذي يحب أن يدفن فيه ادفنوه في موضع فراشه‏.‏

وعنها وعن ابن عباس أن أبا بكر قبل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعدما مات وفي روايتها الآخرى فوضع فمه بين عينيه ووضع يديه على ساعديه وقال‏:‏ وانبياه واصفياه واخليلاه‏.‏

وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ لما كان اليوم الذي دخل فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم المدينة أضاء منها كل شيء فلما كان اليوم الذي مات فيه أظلم منها كل شيء وما نفضنا أيدينا عن التراب وأنا لفي دفنه حتى أنكرنا قلوبنا وعن سفيان بن عيينة عن جعفر بن محمد عن أبيه قال‏:‏ قبض رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الاثنين فمكث ذلك اليوم وليلة الثلاثاء ويوم الثلاثاء ودفن من الليل‏.‏

وقال سفيان وقال غيره سمعت صوت المساحي من آخر الليل‏.‏

استخلافه أبا بكر في الصلاة عن سالم بن عبيد رضي الله عنه وكانت له صحبة قال‏:‏ اغمي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرضه فإفاق فقال‏:‏ ‏"‏ حضرت الصلاة ‏"‏ فقالوا‏:‏ نعم‏.‏

فقال‏:‏ ‏"‏ مروا بلالاً فليؤذن ومروا أبا بكر فليصل للناس ‏"‏ او قال بالناس ثم أغمي عليه فأفاق فقال‏:‏ ‏"‏ مروا بلالاً فليؤذن ومروا أبا بكر فليصل بالناس ‏"‏‏.‏

فقالت عائشة‏:‏ ان أبى‏.‏

وفي الحديث الآخر‏.‏

ان أبا بكر رجل أسيف اذا قام مقامك يبكي ولا يستطيع فلو أمرت غيره قال‏:‏ ثم أغمي عليه فأفاق فقال‏:‏ ‏"‏ مروا بلالاً فليؤذن ومروا أبا بكر فليصل بالناس ‏"‏ فإنكن صواحب أو قال صواحبات‏.‏

وفي الحديث الآخر‏.‏

صويحبات يوسف قال‏:‏ فأمر بلال فأذن وأمر أبو بكر فصلى بالناس ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجد خفة فقال‏:‏ ‏"‏ انظروا إلى من اتكىء عليه ‏"‏ فجاءته بريرة ورجل آخر فاتكأ عليهما فلما رآه أبو بكر ذهب لينكص فأومى إليه أن يثبت مكانه ولفظه في صحيح مسلم ادعي لي أباك أبا بكر وأخاك حتى أكتب كتاباً فإني أخاف أن يتمنى متمن ويقول قائل‏:‏ انا ويأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر انتهى‏.‏

رجعنا إلى لفظ الترمذي‏:‏ ثم إن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبض فقال عمر‏:‏ والله لا أسمع أحداً يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قبض إلا ضربته بسيفي‏.‏

هذا الحديث قال في آخره‏:‏ فجاء أبو بكر حتى أكب على رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسه فقال‏:‏ ‏"‏ إنك ميت وإنهم ميتون ‏"‏ فعلموا أنه قد صدق قلت وفي الحديث الآخر ان أبا بكر رضي الله عنه لما خرج من عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إلى الناس قرأ ‏"‏ ومامحمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل ‏"‏ - آل عمران‏:‏ 144 - قالوا‏:‏ ياصاحب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أتصلي على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ال نعم‏.‏

قالوا وكيف قال‏:‏ يدخل قوم فيكبرون ويصلون ويدعون ثم يخرجون حتى يدخل الناس الحديث‏.‏

قال فيه ثم أمرهم أن يغسله بنو أبيه واجتمع المهاجرون يتشاورون فقالوا‏:‏ انطلقوا بنا إلى إخواننا من الأنصار ندخلهم معنا في هذا الأمر فقالت الأنصار‏:‏ منا أمير ومنكم أمير فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه‏:‏ من له مثل هذه الثلاث ‏"‏ ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه ‏"‏ من صاحبه لا تحزن إن الله معنا مع من ثم قال‏:‏ ابسط يدك يا أبا بكر فبسط يده فبايعه وبايعه الناس بيعة حسنة جميلة‏.‏

وعن أنس رضي الله عنه قال‏:‏ لما وجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم من كرب الموت ما وجد قالت فاطمة رضي الله عنها‏:‏ واكرباه‏:‏ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ لا كرب على أبيك بعد اليوم قد حضر بأبيك ما ليس بتارك منه أحدا الموإفاة يوم القيامة ‏"‏‏.‏

في ميراثه صلى الله عليه وآله وسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏"‏ لا تقسم ورثتي ديناراً ولا درهماً ما تركته بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة ‏"‏‏.‏

وفي الباب عن عمر وعائشة رضي الله عنهما وفي رواية عائشة رضي الله عنها‏:‏ ما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ديناراً ولا درهماً ولا شاة ولا بعيراً‏.‏

قال الراوي وأشك في العبد والأمة‏.‏

رؤيته صلى الله عليه وسلم في المنام عن عبدالله رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال‏:‏ ‏"‏ من رآني في المنام فقد رآني فإن الشيطان لا يتمثل بي ‏"‏‏.‏

وقي رواية أبي هريرة لا يتصور أو لا يتشبه بي‏.‏

وفي رواية ابن عباس لا يستطيع أن يتشبه بي فمن رآني في النوم فقد رآني‏.‏وفي رواية أبي قتادة من رآني يعني في النوم فقد رأى الحق‏.‏

وفي رواية أنس لا يتخيل بي وقال صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ رؤيا المؤمن جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة ‏"‏ انتهى ما لخصت من شمائله مما رويناه في تصنيف الإمام الحافظ أبي عيسى محمد بن عيسى الترمذي قلت ولما بلغ سماع هذا التاريخ علي إلى هذا المكان اخبرني بعض الفقراء الصالحين المجردين الصادقين أنه رأى في المنام تاريخي هذا مكتوباً بالذهب في ورق أصفر بغدادي ووصف من حسن ذلك ما لا يحضرني الآن ذكره مما يستحسن ويجل قدره وكان استماعه في الروضة الشريفة بازاء الحجرة المباركة المنيفة‏.‏

وفي السنة الحادية عشرة أيضاً توفيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ورضي الله عنها بعد وفاة أبيها بأشهر وصحح بعضهم أنها ستة أشهر‏.‏

ومن فضائلها قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيها‏:‏ ‏"‏ إن فاطمة وفي الرواية الأخرى إن ابنتي بضعة مني يريبني ما رابها ويؤذيني ما أذاها ‏"‏‏.‏

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لها‏:‏ ‏"‏ أما ترضين أن تكوني سيدة نساء الجنة ‏"‏ تزوجها علي رضي الله عنهما وعمرها خمس عشرة سنة وخمسة أشهر ونصف وعمره إحدى وعشرين سنة وخمسة أشهر ولم يتزوج عليها حتى ماتت كأمها لم يتزوج عليها رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى ماتت وكانت إذا دخلت على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم رحب بها وكانت أشبه الناس بأبيها ثلى الله عليه وآله وسلم في مشيتها وحديثها ولما توفيت غسلتها أسماء بنت عميس وعلي رضي الله عنه وعن الجميع ودفنها ليلاً‏.‏

‏.‏

وفي السنة المذكورة توفيت أم أيمن حاضنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومولاته رضي الله عنها‏.‏

ومن فضائلها‏:‏ ان رسول الله صلى الله عه وآله وسلم كان يزورها فلما توفي صلى الله عليه وآله وسلم قال أبو بكر لعمر‏:‏ رضي الله عنهما انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها كما كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يزورها‏.‏

وفيها قتل عكاشة بن محصن الأسدي رضي الله عنه‏.‏

ومن فضائله قوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ أنت منهم ‏"‏ لما ذكر صلى الله عليه وآله وسلم أنه ‏"‏ يدخل الجنة من أمته سبعون ألفاً بغير حساب ‏"‏ فقال‏:‏ ادع الله أن يجعلني منهم الحديث‏.‏

وفيها قتل خالد مالك بن النويرة الحنظلي مع رهط من قومه وكان ممن منع الزكاة وهو من الرجال المعدودين وفيه يقول أخوه‏.‏

لقد لامني عند القبور على البكا صحابي لتذارف الدموع السوافك فقالوا أتبكي كل قبر رأيته لقبر ثوى بين اللوى والدكادك فقلت لهم إن الشجى يبعث الشجى دعوني فهذا كله قبرمالك قلت وبهذا البيت يستشهد أولو العرفان أن ذكر الشجى يهيج الأشجان ورؤية منازل الأحباب تورث الأحزان عند تعطلها عن السكان وفي ذلك يقول القائل‏.‏

كفى حزناً بالواله الصب أن يرى منازل من يهوى معطلة قفرا قلت‏:‏ يذكرهم عيشاً بنعمان ناعماً حمام الحمى تعزي نسيم العواصف ثير الصبا من كل صب صبابة فيصبو إلى عهد الصبا والمآلف فهم بين مشتاق وباك وضاحك سروراً وصراخ وراج وخائف وفي ناشر جمع لأقف معنيان أحدهما الإشارة إلى اللف والنشر المودعين هذين البيتين والثاني أن البعد ينشر الاجتماع وتفرقة بعد القرب‏.‏

 

السنة الثانية عشرة

فيها غزوة اليمامة - وقتل مسيلمة الكذاب - وفتحت اليمامة صلحاً على يد خالد بعد أن استشهد من الصحابة نحو من أربع مائة وخمسين وقيل ست مائة وقتل منهم ومن غيرهم من المسلمين ألفاً ومائتان رجل ومن الصحابة زيد بن الخطاب وكان أسن من عمر وأسلم قبله وكانت معه راية المسلمين يومئذ فلم يزل يتقدم بها في نحر العدو حتى قتل فوجد عليه عمر وكان يقول‏:‏ أسلم قبلي واستشهد قبلي وما هبت الصبا إلا وانا أجدر ريح زيد وأبو حذيفة بن عروة بن ربيعة‏.‏

ومولاه سالم وثابت بن قيس بن شماس وهو الخطيب الفصيح من الأنصار كان يخطب عند ورود الوفود على النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعليه أحال في الكلام النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أتى مسيلمة يطلب الملك بعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ لن تعدو قدر الله فيك وإذا أدبرت عقرك الله ‏"‏ وذهب وتركه خاسئاً‏.‏

وقال هذا ثابت بن قيس بن شماس‏.‏

واستشهد أيضاً أبو دجانة سماك بن خرشة الأنصاري الساعدي‏.‏

ومن مناقبه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أخذ سيفاً يوم أحد فقال‏:‏ من يأخذ هذا مني فبسطوا أيديهم كل إنسان منهم يقول أنا أنا قال فمن يأخذه بحقه فأحجم القوم يعني تأخروا وكفوا فقال سماك أبو دجانة‏:‏ انا آخذه بحقه فأخذه فعلق به هام المشركين‏.‏

قيل وإنه ممن شارك في قتل مسيلمة يوم اليمامة‏.‏

ومن المقتولين بشر بن سعد الأنصاري‏.‏

وعباد بن بشر‏.‏

والطفيل بن عمرو الدوسي‏.‏

قلت‏:‏ وفي شهر ذي الحجة توفي صهر النبي صلى الله عليه وآله وسلم زوج ابنته زينب أبو العاص بن الربيع القرشي العبشمي ابن أخت خديجة هالة بن خويلد كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم يثني عليه وكانت العرب قد ارتدت ومنعت الزكاة حتى لم يبق خطبة يخطب بها سوى في ثلاث مساجد‏:‏ مسجدي الحرمين ومسجد ثالث في البحرين وإلى ذلك أشار شاعر بقوله‏:‏ والمسجد الثالث الشرقي كان لنا والمنبران وفصل القول في الخطب أيام لا منبر في الناس نعرفه إلا بطيبة والمحجوج ذي الحجب فعزم أبو بكر رضي الله عنه على جهادهم ووافقه أصحابه رضي الله عنهم بعد أن كانوا خالفوا في ذلك محتجين بقوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ من قال لا إله إلا الله فقد عصم دمه وماله ‏"‏ وكانوا قد متعوه الزكاة فقال رضي الله عنه‏:‏ والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة وقد قال صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ الا بحق الإسلام وروى عصم دمه وماله إلا بحقه أي بحق المال‏.‏

قال الشيخ الإمام أبو إسحاق الشيرازي‏:‏ فانظر كيف منع من التعليق بعموم الخبر من طريقين أحدهما أنه بين أن الزكاة من حق المال فلم يدخل مانعها في عموم الخبر والثاني أنه بين أنه ينص الخبر في الزكاة كما خص في الصلاة فخص مرة بالخبر وأخرى بالنظر وهذه غاية ما ينتهي إليه المجتهد المحقق والعالم المدقق انتهى قلت ولم يزل بقاتلهم ويجيش الجيوش عليهم حتى ردهم إلى الإسلام‏.‏

وقام في ذلك مقاماً لم يقمه إلا نبي وإلى ذلك أشرت في الأبيات في ترجمته رضي الله عنه‏.‏

 

السنة الثالثة عشرة

فيها وقعة اجنادين بالنون بعد الجيم بقرب الرملة واستشهد يومئذ جماعة من الصحابة ثم كان النصر والحمد لله تعالى وكان قد بعث الصديق فيها البعوث إلى الشام وأمرعلى الجيش جماعة منهم أبو عبيدة بن الجراح أمين هذه الأمه وعمرو بن العاص ويزيد بن أبي سفيان وشرحبيل ابن حسنة وبعث إلى العراق خالد بن الوليد فافتتح الأبلة أغار على السواد وحاصر عين التمر وأرى الفرس ذلاً وهواناً ثم خرق البرية إلى الشام واجتمع بجيوش المسلمين هنالك‏.‏

وفيا توفي ذو المجد والفخار علم المهاجرين والأنصار والسابق بالفضل والتصديق الخليفة المقدم أبو بكر الصديق عبدالله وقيلعتيق بن أني قحافة عثمان بن عامر التيمي القرشي رضوان الله تعالى عليهما في جمادى الآخرة عن ثلاث وستين سنة وأوصى أن تغسله زوجته أسماء بنت عميس أن يكفن في ثوبيه وقال‏:‏ انما هما للبلى والحي أولى بالجديد‏.‏

فصلى عليه عمر بن الخطاب رضي الله عنه ودفن في حجرة ابنته عائشة مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏.‏

وإلى قربه من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ومصاحبته له حياً وميتاً‏.‏

وإلى قوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلا ‏"‏‏.‏

وإلى رده المرتدين عن دين الإسلام وقيامه في ذلك أحسن القيام أشرت بقولي في بعض القصيدات هذه الأبيات‏.‏

مقام نبي قام يوم ارتداد عن الإسلام والسيف أشهرا إلى أن أطاعوه والإسلام رده إلى طيه من بعد ما قد تنشرا فوالله لو كان النبي مخالبلاً خليلاً سوى الرب الذي خلقه برا لكان أبو بكر خليلاً وسالقاً بخلته كلاً يميناً بلا افترا خليفته المرضي خير خليفة وصاحبه في الغار حياً وفي الثرى شيخ الوقار وثاني الغار شاهده في مجده القبة الحسناء والغار مقدم الفضل والعليا له شرف في ذكر كتب أعداء له عار وانجلى له مسفرات عن محاسنها بيض العلى عاليات الحسن أبكار على أبي بكر الصديق فائحة من نشر علياه آصال وأبكار وأشرت إلى ذلك أيضا في أخرى بقولي‏.‏

له مفخر في الغارحياً ومفخر له في الثرى في مضجع خير مضجع أضاءت به ظلماً دياجي ارتدادهم رجوعاً إلى دين الهدى خير مرجع وكم مفخر كم من مناقب كم علا وكم سؤدد في فضله المتنوع فصديقهم ذو المجد سابقهم إلى علا كل فضل نافياً كل مبدع وقد اقتصرت فيه على أربعة أبيات من كل واحدة من هذه القصائد المذكورات وفيه يقول حسان رضي الله تعالى عنه‏.‏

إذا تذكرت شجواً من أخي ثقة فاذكر أخاك أبا بكر بما فعلا خير البرية أتقاها وأعدلها إلا النبي وأوفاها بما حملا ومناقبه مشهورة غير محصورة‏.‏

ومن مناقبه رضي الله عه‏:‏ قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم ‏"‏ ما ظنك باثنين الله ثالثهما ‏"‏ أي ثالثهما بالنظر والمعونة والتسديد والرعاية وقول صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ إن الله قد بعثني فقلتم‏:‏ كذبت وقال أبو بكر‏:‏ صدق وواساني بنفسه وماله فهل أنتم تاركون لي صاحبي ‏"‏ فما أوذي بعدها الحديث‏.‏

قلت هذا نهاية المدح لأبي بكر رضي الله عنه في صدق إيمانه وكمال يقينه فإنه صلى الله عليه وآله وسلم أخبر في هذا الحديث‏:‏ انهم كذبوه في وجهه وصدقه أبو بكر في غيبته وهنا أبلغ ما يكون في التصديق والتكذيب فإن الإنسان قد يصدق في الوجه ولا يصدق في الغيبة ويكذب في الغيبة ولا يكذب في الوجه وهذا واضح لمن تأمله وهذا مما ظفرت إذ لا أعرف أحداً من العلماء ذكره‏.‏

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم لما قيل له‏:‏ من أحب الناس إليك قال‏:‏ ‏"‏ عائشة ‏"‏‏.‏

قيل‏:‏ ومن الرجال قال‏:‏ ‏"‏ أبوها ‏"‏‏.‏

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم له‏:‏ ‏"‏ وأرجو أن تكون منهم يا أبا بكر ‏"‏ لما ذكر أبواب الجنة الثمانية من يدخل منها فقال أبو بكر هل يدعى منها كلها أحد‏.‏

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ لا يبقين في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر ‏"‏‏.‏

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ يأبى الله ورسوله والمؤمنون إلا أبا بكر ‏"‏‏.‏

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ لو كنت متخذاً خليلاً لاتخذت أبا بكر خليلأ ‏"‏‏.‏

وقول ابن عمر رضي الله عنهما‏:‏ نخير بين الناس في زمان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فنخير أبا بكر ثم عمر ثم عثمان‏.‏

كل هذه الأحاديث مروية في الصحاح‏.‏

وفى صحيح مسلم قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ من أصبح منكم اليوم صائمأ ‏"‏ قال أبو بكر‏:‏ انا قال‏:‏ ‏"‏ من تبع منكم اليوم جنازة ‏"‏ قال أبو بكر‏:‏ انا قال‏:‏ ‏"‏ من أطعم اليوم منكم مسكيناً ‏"‏ قال أبو بكر‏:‏ انا قال‏:‏ ‏"‏ من عاد منكم اليوم مريضاً ‏"‏ قال أبو بكر‏:‏ انا قال رسول الله صلى الله عليه وآلة وسلم‏:‏ ‏"‏ ما اجتمعن في امرىء إلا دخل الجنة ‏"‏‏.‏

قال بعض العلماء‏:‏ معناه دخل الجنة بلا محاسبة ولا مجازاة على قبيح الأعمال إلا فمجرد الإيمان يقتضي دخول الجنة بفضل الله تعالى‏.‏

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم فيما رواه الترمذي ‏"‏ أرحم أمتي بأمتي أبو بكر وما لأحد عندنا يد إلا وقد كافيناه بها إلا أبا بكر فإن له عندنا يدأ يكافيه الله بها يوم القيامة وما نفعني مال رجل ما نفعني مال أبي بكر وما عرضت الإسلام على أحد إلا كان له كبوة إلا أبا بكر فإنه لم يتلعثم ‏"‏‏.‏الحديث‏.‏

ومن مناقبه أيضاً‏:‏ مجيئه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم بماله كله وقوله الله ورسوله لما قال له رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ ما تركت لأهلك ‏"‏ وغير ذلك مما يطول ذكره بل تعذر حصره‏.‏

وروينا في صحيح البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت رسول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول‏:‏ ‏"‏ بينما راع في غنمه عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة فطلبه الراعي فالتفت الذئب إليه فقال‏:‏ من لها يوم السبع يوم لبس لها راع غيري وبينما رجل يسوق بقرة قد حمل عليها فالتفت إليه فقالت‏:‏ اني لم أخلق لهذا لكنني إنما خلقت للحرث ‏"‏ فقال الناس‏:‏ سبحان الله أبقرة تتكلم قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ فإني أومن بذلك وأبو بكر وعمر ‏"‏ وروينا في صحيح مسلم بتقديم قصه البقرة على قصة الشاة‏.‏

قلت‏:‏ وناهيك بهذا فضلاً وشرفاً لهما شهادته بالإيمان الكامل‏.‏

مع كونهما أنهما كانا غائبين عن ذلك المجلس كما في الحديث‏.‏

قال العلماء‏:‏ انما قال صلى الله عليه وآله وسلم ذلك لصدق إيمانهما‏:‏ هما وقوة يقينهما وفي ذلك لهما فضل ظاهر وما ورد من قوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ ما فضلكم أبو بكر بكثرة صلاة ولا صوم ولكن بشيء وقر في صدره ‏"‏ وما جاء أنه كان إذا تنفس يشم منه رائحة الكبد المشوية‏.‏

واختلف في تسميته عتيقاً فقيل لقوله صلى الله عليه وآله وسلم‏:‏ ‏"‏ من سره أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى أبي بكر ‏"‏‏.‏

وقيل لجمال وجهه وهو في نسبه يجتمع مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مرة بن كعب وهو في العدد مثله بين كل واحد منهما وبين مرة ستة أباء لأنه أبو بكر بن عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة وأمه سلمى وهي أم الخير بنت صخر بن عامر بن عمرو التيمية‏.‏

ولد رضي الله عنه بعد عام الفيل بسنتين وأربعة أشهر إلا أياماً وهو أول من أسلم من الرجال رضي الله عنه وكان خلافته سنتين وأشهراً وولي الخلافة بعده عمر بن الخطاب باستخلافه له فرضي المسلمون بذلك ولم يختلف عليه اثنان‏.‏

وفي السنة المذكورة توفي أمير مكة عتاب بن أسيد الأموي واستعمله النبي صلى الله عليه وآله وسلم على مكة حين خروجه إلى حنين فأقام للناس الحج تلك السنة‏.‏